كما قد ينقصه أحيانًا ربط الأحداث بعضها ببعض والنظر إلى مجرى الحوادث نظرة كلية شاملة.
[(٢) تصنيف السيرة فى صورتها الأدبية]
وأقدم من ألف كتابًا فى سيرة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، هو عروة بن الزبير (٢٣ - ٩٤ هـ) الذى استفاضت شهرته فقيهًا ومؤرخا. وقد اشترك هذا الابن من أبناء ذلك الصحابى المشهور اشتراكا ضئيلا فى النشاط الذى أبداه أخواه عبد اللَّه ومصعب، فقد تصافى فى وقت مبكر مع الأمويين المظفرين، واستجاب لرغبة الخليفة عبد الملك، فبعث إليه بعدة تعليقات فسر بها مسائل تتصل بمبدأ الإسلام (الشواهد مذكورة فى الطبرى؛ انظر Annali,Caetani، جـ ١، فهرس المجلدين الأول والثانى، ص ٨، تعليق ٢٢). على أن نشاط عروة فى التراجم لم يقتصر على هذه الرسائل، ذلك أنه ألقى على تلاميذه معلومات جمعها بنفسه جريًا على سنة النقل الشفوى الذى يدعمه الإسناد، تلك السنة التى أصبحت من ثم قوام الطريقة المتبعة فى السيرة وفى الحديث.
وقد اصطنع هذه الطريقة نفسها معاصر لعروة وابن خليفة من الخلفاء، ونعنى به أبان بن عثمان الذى استقر هو أيضًا فى مكة. وقد جمع دروسه عن حياة النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- فى كتاب، تلميذه عبد الرحمن بن المغيرة المتوفى قبل سنة ١٢٥ هـ. وأطلق على هذه الآثار الأدبية الأولى (ويمكن أن نضيف إلى هذين الاسمين اللذين ذكرناهما وشيكا: شرحبيل بن سعد المتوفى سنة ١٢٢ الذى كان أثره فيما يظهر ضئيلا) اسم المغازى، وهى التى ظلت، كما رأينا، من التواليف المأثورة إلى عهد متأخر، فضلا عن أنها تنم (كما يستفاد أيضًا من القطع التى بقيت منها) على أن محتوياتها تتعلق فى جوهرها بحياة النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- العامة. وقد اطرد إطلاق هذا الاسم أيضًا على مؤلفات الجيل الثانى والثالث من المؤرخين، نذكر منهم علاوة على عاصم بن عمر بن قتادة المتوفى