للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بين سنتى ١١٩ و ١٢٩ هـ اسمى كاتبين يفوقانه ذكرًا، وهما ابن شهاب الزهرى (٥١ - ١٢٤ هـ) وموسى بن عقبة المتوفى سنة ١٤١ هـ اللذان كان لهما أثر مشهود على جميع الروايات المتأخرة.

وقد وصلت إلينا قطعة من مغازى موسى طبعت فى كتاب مستقل نشره سخاو (Sachau فى Sitzungsberichte der preuss Ak. der wiss. zuberlin، ١٩٠٤), ولكن هذه القطعة ليست من الشمول بحيث تمكننا من الحكم على طبيعة هذا المؤلف وترتيبه أو فى ما تتيحه لنا الفقرات الباقية منه فى مؤلفات الكتاب المتأخرين.

وقد ازدهر علم المغازى أيضًا فى ذلك العهد نفسه خارج المدينة (سليمان بن طرخان [٤٤ - ١٤٣ هـ] فى بصرى؛ ومعمر بن راشد [المتوفى سنة ١٥٢] فى صنعاء) ولكن النجاح الذى أحرزته هذه المؤلفات قد أخمله كتاب محمد بن إسحاق (المتوفى سنة ١٥٠ هـ أو ١٥١ هـ) الذى يعد أيضًا ختام تطور الرواية المدنية وفاتحة تصور جديد للسيرة، ذلك أن أسلافه قد نظروا فيما يظهر إلى تاريخ النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- نظرتهم إلى ظاهرة قائمة بذاتها وإن كانت عظيمة جليلة؛ أما ابن إسحق فقد كان أول من وضع الإسلام ومنشئه فى نسق التاريخ العام، فهو يرى أن ظهور الإسلام استمرار وتتمة للتاريخ المقدس اليهودى والنصرانى من حيث كونه ينبعث من الخلق الإلهى ومن دعوة الأنبياء السابقين لمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولكن محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- يظهر فى الوقت نفسه أمجد ممثل للروح العربية وهو الذى يفتتح. على يديه عهد السيطرة العربية على العالم. وهذا التمييز لكتاب ابن إسحق لا يستمد بطبيعة الحال من وجود أى مذهب واضح ينتهجه، دلك أن كتابه محدود، شأن كتب أسلافه، بما التزمه من جمع مادة أخرى مسندة، ولكن العناوين الشديدة التباين التى تدل على كتابه (مبتدأ الخلق؛ المبدأ وقصص الأنبياء؛ المغازى والمبعث ومبدأ الخلق؛ المغازى والسير؛ السيرة والمبتدأ والمغازى؛ كتاب الخلفاء) تفصح بجلاء عن خطته؛ وسواء كانت هذه العناوين تشير إلى أجزاء مختلفة من مؤلف