التركيز على التلاعب بالألفاظ، وأول من يقابلنا فى هذا الصدد الحريرى (٤٤٦ - ٥١٦/ ١٠٥٤ - ١١٢٢)، أشهر خلفاء الهمذانى. وقد احتفظ الحريرى بالبيئة الأصيلة للمقامة، من بطل وراو، إلا أن الكثير من الكتاب الآخرين قد استغنوا عن الشخصية الأولى، وأحيانا الشخصيتين معا. ويتيح تنوع الموضوعات استغلال هذا الفن الأدبى فى أغراض متباينة إلى أقصى حد، وإذا كان الهدف الأصلى للأدب بصفة عامة هو التهذيب من خلال التسلية بمزيج من الجد والهزل، فإن مقامات كثيرة انحرفت عن هذا الاتجاه، إما باهمال الجد أو نسيان الهزل.
وبالإضافة لذلك، فإن أعمالا أخرى تتماشى مع مقتضيات المقامة ولكن تحت مسميات أخرى، مثل "الرسالة" أو "الحديث"، كما أن أعمالا أخرى أطلق عليها مسمى "مقامة" دون أن يظهر فيها أى ملمح من ملامح هذا الفن.
وثمة خلط ظاهر بين الرسالة والمقامة، تبدو فى عمل ابن شهيد "رسالة التوابع والزوابع"، فهو يقر بأنه استلهم من المقامة الإبليسية رسالته التى تحمل سمتين من سمات المقامة: السجع، ووجود رفيق للمؤلف وهو "الجنى". وهناك شاهد آخر أسبق تاريخا، هو أعمال ابن شرف، والذى يعطيها أسماء "أحاديث" و"رسائل"، بينما هى تحوى حكيما يبدى آراءه فى الشعراء القدامى والمعاصرين بأسلوب قريب من أسلوب الهمذانى فى مقاماته، ولكن دون وسلطة راو.
وفى الأندلس، حيث ينتمى المؤلفان المذكوران، كانت "المقامة" تطلق على أى نص أدبى يتميز بالإيقاع والقافية، سواء تضمن شعرا أم لا، ومهما يكن موضوعه. وكثيرا ما كانت هذه النصوص تثقل بالمحسنات البديعية لدرجة الحذلقة، مع استعراض للمعرفة، مما يجعلها أقرب للطلاسم.
تاريخ فن المقامة: باستثناء ما ذكر سابقا عن الخوازمى، فإن معاصرا البديع الزمان، هو ابن نباتة السعدى قد كتب مقامة محفوظة ببرلين، لا يمكن القطع بكونها عملا أصيلا أم تقليدا. كما ألف العراقى، فى القرن الرابع أيضًا،