عرف بزهادته فى تناول مثل هذا الموضوع- كل ما فى وسعه لإذاعة هذه القصة الغرامية، على أن ذكرى خلوة لم تشغل قلب الرمادى أو عقله فيما يبدو لنا إلا قليلا. صحيح أنها كانت قد ملكت عليه قلبه وهو فى سرقسطة حتى أوحت إليه بجميع النسيب الذى قاله فى مدح الوالى التجيبى، إلا أن ذكراها قد انمحت من مخيلته تمامًا بعد عودته إلى قرطبة، ذلك أن قلبه لم يتعلق هذه المرة بامرأة بل بغلام مستعرب أطلق عليه الشاعر اسم يحيى أو نصير.
والظاهر أن أحدًا لم يجمع بعد ديوان الرمادى، ولم يبق من كتاب الطير الذى ألفه فى السجن سوى لامية يصف فيها الصيد بالبازى. وقد ذكرنا فيما سبق أهم ما بقى لنا من أبياتها. وكان الرمادى تلميذًا لأبى على القالى، ومن ثم جنح إلى محاكاة شعراء الشرق، ولكنه أظهر شغفًا بالموشح بعد ابن عبد ربه وقبل عبادة بن ماء السماء، وأدخل على صناعته كثيرًا من البدع. ولشعر الرمادى على الرغم من محاكاته للشعراء القدامى طابع ذاتى يتسم به، وخاصة عندما يناجى خلوة أو يصف ما عاناه فى السجن بالزهراء. ولا تخلو أبياته القليلة التى أشار فيها إلى مواطن الضعف فى شخصية هشام الثانى واستسلامه التام لأمه صبح وللحاجب المنصور، ولا الأبيات التى تحدث فيها عن مؤامرة جوهر، من الفوائد التاريخية. ونذكر أخيرًا أن المعلومات التى أوردها عن المستعربين mozarabs (عبادتهم وأزيائهم) فى خلال حديثه عن محبوبه تتيح لنا أن نحقق ما قاله أبو عامر بن شهيد فى هذا الموضوع نفسه. ومن ثم كانت هذه المعلومات وثائق لها شأنها؟
[المصادر]
(١) أبو الوليد الحميرى: البديع فى وصف الربيع، مخطوط بالأسكوريال، رقم ٣٥٣ فى مواضع مختلفة (الأبيات التى تصف الزهور).
(٢) ابن حزم: طوق الحمامة طبعة Petrof ص ٢١ - ٢٢, المقدمة ص ١٦ - ١٧، ترجمة NykI بعنوان The Dove's Neck Ring باريس ص ١٩٣١، ص ٣١ - ٣٢، والتعليقات ٢٢٥ - ٢٢٦.