وعجزها عن حمايتها، وتضاءلت قفسة حتى أن الفرنسيين لم يجدوا صعوبة فى احتلالها فى ٢٠ نوفمبر ١٨٨٠ م.
جغرافيتها التاريخية: قفسة بلدة جرداء تشرف عليها الجبال من الجنوب الشرقى والشمال والشمال الغربى وكانت تعتمد على مياهها الجوفية ولكنها فى موقع على ملتقى الطرق المؤدية إلى الصحراء وإلى التل مما جعل لها أهمية وقد وصفها "سالوست" الذى عاش فى الفترة من ٨٦ إلى ٣٥ ق. م بأنها "مدينة قوية وكبيرة" كما أشار إلى الصحراوات الموحشة التى تجعل وصول الجيوش الغازية إليها أمرًا صعبا، وقد نفعها هذا الموقع إذ جعلها قادرة على المحافظة على خطورتها ورخائها حتى نهاية العصر الكلاسيكى رغم ضعف بيزنطة. بل لقد زادت أهميتها بعد فتح العرب لها. ولقد كان الجغرافى العربى اليعقوبى الذى عاش فى ختام القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) أول من وصفها وصفًا دقيقا ضمنه ملاحظاته الشخصية عنها فقال إنها بلدة حصينة تحوطها الأسوار الحجرية وتكثر فيها الينابيع المائية وتمتاز بشوارعها الممهدة وضواحيها البالغة الروعة وتكثر بها الفاكهة، فلما كان منتصف القرن التالى (الرابع الهجرى) كان ابن حوقل فى القيروان سنة ٣٣٦ هـ (= ٩٤٧ م) ووصف قفسة بأنها بلدة "مستقلة" والرخاء فى "غاية الكمال" وكان أبو يزيد قد خربها قبل سنة ٣٣٠ هـ (٩٤٢ م) ولابد أنها تخلصت من كل آثار التخريب حتى أن المقدسى المتوفى سنة ٣٧٨ هـ (= ٩٨٨ م) اعتبرها واحدة من المراكز المهمة الكبرى بافريقية. كما أن البكرى المتوفى حوالى سنة ٤٦١ م (= ١٠٦٨ م) ترك لنا وصفا دقيقا عنها اعتمد فيه على الوراق الافريقى المتوفى عام ٣٦٢ هـ (= ٩٧٣ م) الذى ذكر آثارها القديمة التى كانت لا تزال سليمة وأشار إلى ينابيعها الجياشة بالمياه التى تروى بساتينها التى تنتج الفستق الذى يصدر إلى جميع أنحاء افريقية بل وإلى مصر ذاتها وسجلماسة والأندلس، كما يكثر بها البلح.