وكان يوجد حول قفسة ما لا يقل عن مائتى قرية كلها عامرة وتسمى هذه القرى بقصور قفسة. ومما يدل على شدة ثرائها أن خراجها لا يقل عن خمسين ألف دينار تذهب إلى بيت المال، وليس من شك فى أن هذا الوصف يشير إلى الرخاء الكبير الذى كانت تتمتع به قفسة زمن الوراق، أعنى نهاية القرن الرابع الهجرى العاشر الميلادى) وقد استمر هذا الرخاء موصولا فى القرن التالى رغم غزو بنى هلال. كما استمرت البلدة تتقلب فى مطارف النعمة حتى منتصف القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) حتى لينعتها الإدريسى بالمدينة الحسنة، ويصف أسوارها بأنها لا تزال سليمة قوية ومياهها غزيرة متدفقة، وأسواقها عامرة بشتى أنواع السلع وبها الكثير من التجار "والصناعة بها قائمة" وبها التمر الجيد "العجيب"، وقراها أهلة بالسكان وبها الحدائق الجميلة والبساتين وتنتج فيما تنتج الحناء والقطن والكمون، على أن هذه الحال تغيرت منذ عصر الموحدين فكثيرا ما ثار أهلها حرصا منهم على استقلالها ولكنها دفعت ثمنا غاليا بسبب حبها الشديد للاستقلال، وامتدت يد التدمير أكثر من مرة إلى تحصيناتها وإلى مزارع نخيلها، ويمكننا إرجاع بداية انهيارها الاقتصادى إلى ذلك الوقت، فلما جاء القرن السابع الهجرى (الثالث الميلادى) نجد ياقوت الحموى يصفها بأنها "بلدة صغيرة واقعة على تخوم افريقية فى منطقة جدباء وأرضها ملحية" وقد تلاشى ما كان حولها من القرى لتعرضها الكثير للتدمير.
ولقد كتب عنها ليو الأفريقى (الحسن بن الوزان) فذكر ما أصابها من الدمار على يد المنصور، ثم يتابع كلامه فيقول وقفسة اليوم قد أعيد إعمارها بالسكان. ولكن لا تزال مبانيها قليلة إلا من بضعة مساجد معدودة، وشوارعها واسعة مرصوفة كلهما بالحجر الأسود كما هو الحال فى شوارع نابلى وفلورنسا. وسكانها مغلوبون على أمرهم، ويقع عبء الضرائب التى يقبضها ملك تونس على عاتق فقرائها "انظر Describtion de l'Afrique ll ٤٤٤