دعوى جريئة مع شعورنا بعدم كفاية ما يساق من بيان لمعنى الشهيد فى سبيل اللَّه من دلالات المادة الأولى كالرؤية والحضور. ولو نظر إلى استعمال القرآن للفظ شهيد، فى مثل النساء: ٧٩، ١٦٦؛ يونس: ٢٩؛ والرعد: ٤٣؛ والإسراء: ٩٦؛ والفتح: ٢٨؛ والعنكبوت: ٥٢؛ والأحقاف: ٨ - لوجد أن قوله فى هذه المواطن:{كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} أو {كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا}، يفهم منه غير ما يفهم من شهيد فى مثل قوله:{إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}، وأمثالها مما يعدى بعلى؛ فالشهيد بينى وبينكم فى معنى الحجة الفاصلة القائمة. وأخذه من الشهود بمعنى الحضور قريب واضح؛ وأما الشهيد على كذا فأقرب لمعنى الشهادة المؤداة. . وإذا أدركنا فى قرب أن لفظ "شهيد" دون تعدية على، فيه معنى الحجة والفصل، وما هو من ذلك بسبيل ثم سمعنا إلى ما ينقل من أن الشهيد "يحاج" قاتله، وذلك فيما ينقل أكثر من مرة، من قول زيد بن صوحان لما استشهد يوم الجمل، لا تغسلوا عنى دما ولا تنزعوا عنى ثوبا فإنى رجل محجاج أحاج يوم القيامة من قتلنى، وقول عمار بن ياسر لما استشهد بصفين: لا تغسلوا عنى دما ولا تنزعوا عنى ثوبا فإنى ألتقى ومعاوية بالجادة؛ وهكذا نقل عن غيرهما؛ فالشهيد حجة الحق، وشهادة على القاتل، وإذا انضم إلى هذا ما فى الشهادة من أن بها قوة القضاء، حتى يعز على الشاهد الحكم فى مثل القولة السائرة: شاهداك قاتلاك، يفهم من قرب أخذ معنى الشهيد فى سبيل اللَّه، من الحجية والمعرفة القوية القاضية بالحق.
وهذا وجه بدا لصاحب التعليق حين لم ينجل المأخذ مما رآه من بيانهم لمعنى الشهيد؛ ولم يروجها لضرورة رد هذا المعنى إلى عامل أجنبى؛ وإن كان التفاعل اللغوى لا يجحد، والاتصال بين الأديان لا يرفض. .
[٣ - قضايا تنقصها الدقة]
عرض صاحب المادة فى بيان معنى الشهادة، وتعديد صنوف الشهداء لقضايا تنقصها الدقة فى التعبير وفى المعنى. . ومن ذلك: