كما كان منتظرا من قائد عسكرى مثله. وأظهر طلائع فى أوقات فراغه ولعًا بنظم القريض حتى لقد أقحم ذلك فى رسائله العسكرية، وقد أورد ابن خلكان (جـ ١، ص ٦٥٨) شواهد من شعره، والظاهر أن طلائع كان راعيا كريما للفن والأدب وإن كان لم يتورع عن إثقال كاهل الفلاحين بالضرائب. ويمكن أن نشاهد آثار المسجد الذى بناه قائمة لم تزل بالقرب من باب زويلة بالقاهرة، مما يشهد بغيرته على الدين. وكان طلائع دائما نصيرا قويا للإسماعيلية، ولما توفى الخليفة الصغير فى الحادية عشرة من عمره (١١٦٠ م) وتولى الخلافة ابن عمه الطفل العاضد آخر الخلفاء الفاطميين، ظل طلائع فى منصب الوزارة وزوج ابنته للخليفة. وكان طلائع فى الواقع هو الحاكم الفعلى للبلاد، ومع ذلك فإن تقويض سلطانه قد اقتضى من أعدائه السياسيين زمنا. وأدت القيود التى فرضها على حريم قصر الخلافة من ناحية إلى إيغار صدر عمة الخليفة، وانتهت دسائسها باغتياله. وقد تجلت روحه الغلابة وهو على فراش الموت إذ أمر بقتل هذه السيدة أمام عينيه؛ وأدركته المنية فى ١٩ رمضان سنة ٥٥٦ هـ (سبتمبر ١١٦١)، ودفن آخر الأمر فى القرافة. ويروى أبو صالح فى تاريخه (ورقة ٨٩ ب) قصة تقول إن راهبا من رهبان النصارى فى الصعيد كان قد تنبأ لطلائع وهو بعد من ولاة الأقاليم، بأنه سوف يبلغ أرفع المناصب فى الدولة. ويقال إن الوزير حين تحققت نبوءة الراهب منح الدير قطعة من الأرض. وأيا كانت صفات هذا الوزير الأخرى فإنه كان حقا محاربا بطلا. وقد فعل أقصى ما فى طاقته لطرد الصليبيين من فلسطين متوسلا بالسياسة والرشوة والقتال ولكنه آب بالخيبة، ويرجع معظم السبب فى ذلك إلى إخفاق المفاوضات التى أجراها مع حاكم دمشق المسلم السنى. ويروى أنه أبدى أسفه وهو فى النزع الأخير على أنه لم يستطع أن ينتزع بيت المقدس من الفرنجة. ويقال إن أملريك غزا مصر فى وزارته.
[المصادر]
(١) ابن خلكان: وفيات الأعيان، ترجمة ده سلان جـ ١، ص ٦٥٧ - ٦٦١.