كان فن الحصار من الأساليب الجوهرية للحرب إذا قصد بها الفتح وليس مجرد غارات للسلب والنهب، وذلك في بلاد كانت معظم مدنها الكبرى منذ العصور القديمة محمية بأسوار، وحيث كان الريف الفسيح المكشوف في العصور الوسطى تحيط به الحصون التى تزداد باطراد ومع أن القوات العسكرية لم تكن تكفى لفرض الحصار إلا في القليل النادر؛ بيد أنها كانت تسد الدروب المألوفة الموصلة إلى الحصن المحاصر حتى تجبره على الاستسلام إما بالمجاعة وإما بالتهديد بها، إذا لم تصله نجدة من الخارج، أو لم يقم المحاصرون بشن كرّة لفك الحصار وتشتيت الغزاة: على أن المخزون المحاصرين من المؤن كان يعينهم على الثبات مددًا طويلة إلى حد ما، إذا ارتفعت روحهم المعنوية بالأمل في نجدة تأتيهم وإخلاصهم لأميرهم. ويحدث أحيانا أن يكون المحَاصرُون غير مستعدين استعدادًا طيبًا لحرب طويلة الأمد (انظر مادة "حرب") أو يكون قد خامرهم الشك فيما قد يجنيه الآخرون بخلاف أميرهم من هذه الحرب فييأسون ويتخلون عن الكفاح.
وكان البدو الرحل الذين لم تكن آلات الحصار متيسرة لهم، ولم يحفلوا إلا قليلا بالزراعة، ينجحون أحيانا في إجبار مدن هامة على الاستسلام بما يحدثونه فيها من دمار وتخريب دائم له أثره في حياة السكان. على أن الجنود النظامية أدركت ميزة الإبقاء على الزرع وغلات الأرض، وشاركت الرأى العام في جسامة تخريب البلاد التى قد تعوق طبيعتها أى إصلاح عاجل، فكفّت بصفة عامة عن إتلاف الأشجار، وتدمير منشآت الرى. وبغض النظر عن العمليات الحربية بمعناها الصحيح، فإن هؤلاء الجنود كان هدفهم الأكبر هو إحداث خيانة في داخل الحصن، أو اصطناع حيلة لأسر أمير من أهل البلد ليكون فك أسره شرطًا لاستسلام الحصن.