السيد محمد بن صفدر، من أبرز أعلام الإسلام في القرن التاسع عشر. وقد كان في رأى براون Browne فيلسوفًا وكاتبًا وخطيبًا وصحفيًا معًا، على أنه كان قبل كل شيء من رجال السياسة ينظر إليه مريدوه نظرتهم إلى وطنى كبير، وينظر إليه خصومه نظرتهم إلى مهيج خطير، وكان لجمال الدين أثر كبير في الحركات الحرة والحركات الدستورية التي قامت في الدول الإسلامية إبان العقود الأخيرة من السنين السوالف. وكان يرمى من إثارة الخواطر إلى تحرير هذه الدول من النفوذ الأوربى واستغلال الأوروبيين والنهوض بها نهوضا ذاتيًا من الداخل متوسلا في ذلك بإدخال النظم الحرة إليها، كما كان يهدف إلى جمع كلمة الدول الإسلامية بما فيها فارس الشيعية تحت راية خلافة واحدة، وإقامة إمبراطورية إسلامية قوية تستطيع الوقوف في وجه التدخل الأوربى.
كان جمال الدين بقلمه ولسانه من أكبر الدعاة إلى فكرة الجامعة الإسلامية، ومن أشدهم إيمانًا بها. وتصل أسرته نسبها بالحسين بن علي من جهة على الترمذي المحدث المشهور، ومن ثم أصبح حقيقًا بلقب "السيد". ولقد ذكر هو نفسه أنه ولد في أسعد آباد على مقربة من كنار من أعمال كابل في أفغانستان عام ١٢٥٤ هـ (١٨٣٨ - ١٨٣٩ م) من أسرة حنفية المذهب. على أن روايات أخرى تذهب إلى أنه طلع إلى الحياة في أسد آباد بالقرب من همذان من أعمال فارس، وأنه أراد التخلص من الاستبداد الذي كان يسود فارس فانتحل الجنسية الأفغانية. ومهما يكن من شيء فقد قضى جمال الدين السنين الأولى من طفولته وشبابه في أفغانستان، ودرس في كابل كافة العلوم الإسلامية العالية حتى بلغ الثانية عشرة كما صرف همه إلى دراسة الفلسفة والعلوم الرياضية على الأسلوب التقليدى المأثور في الشرق الإسلامي. ثم أمضى أكثر من سنة في الهند، وحج إلى مكة عام ١٢٧٣ هـ (١٨٥٧ م)، وما إن عاد من الحج إلى أفغانستان حتى دخل في خدمة الأمير