سنة ١٨٨٠ م تقريبًا، وأصبحت القدس عاصمة "متصرفية" يكون واليها مسئولًا مسئولية مباشرة أمام الحكومة فى استانبول، كما صارت فى سنة ١٩٢٠ م عاصمة فلسطين التى كانت تحت الانتداب، ثم اتخذتها حكومة اسرائيل عاصمة لها ومقرًا لحكومتها فى ديسمبر سنة ١٩٤٩ م، لكن لم يعترف دوليًّا بما اتخذته اسرائيل فى هذا المجال، ولقد كان من حسن الحظ أن حرب سنة ١٩٦٧ م والأحداث التالية لها لم تغير من طابع المدينة القديمة، على حين اتسعت المدينة الجديدة فى كل ناحية وفى كل اتجاه اتساعًا ضخمًا. وستظل القدس تعيش على ماضيها.
ويسوق مجير الدين العلمي مؤرخ القدس العظيم الذى وضع كتابه "الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل" عام ٩٠٠ هـ/ ١٤٩٤ م ملاحظة صادقة هى أنه إلى جانب مادة "فضائل المدينة" و"فتح عمر" والأخبار التى تدور حول قبة الصخرة والعلماء الزائرين لها، فإنه لم يكتب أحد كتابات ذات قيمة كبيرة قبل كتابه هذا، ويعزو جزءًا من هذا النقص فى الأخبار الإسلامية إلى ما جرى من الغزو المسيحى ثم يشير إلى الحقيقة القائلة بأن أبا القاسم المكى الذى ألف كتابًا فى هذا الموضوع قتل على أيدى الصليبيين قبل أن يفرغ من كتابه هذا. على أن السبب الجوهرى لغياب الخبر المنطقى إنما يرجع إلى طابع القدس كمدينة مقدسة عاشت على الاهتمام العظيم الذى لقيته من الخارج والذى كان كبيرًا، وكان أكبر من أى اعتبار سياسى أو إدارى أو ثقافى.
[القدس فى القرآن الكريم]
لم ترد كلمة "القدس" بصريح العبارة فى القرآن الكريم، ولكن ليس من شك فى أن عبارة "المدينة المقدسة" كانت معروفة عند النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، ففى القرآن ترد كلمتا "الإسراء، وبنى إسرائيل"، وهنا إشارة واضحة إلى هدم الهيكل الأول والثانى حيث يسميه بالمسجد، إذ جاء قوله تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ