للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[فكره]

كان الفارابى يعتقد أن الفلسفة انتهى أمرها فى كل مكان إلا بلاد الإسلام. فقد وجدت فى هذه البلاد ملاذًا جديدا وحياة جديدة. ويرى أن العقل الإنسانى مقدَّم على ما سواه، ذلك أن الأديان -فى رأيه- تصطنع الرموز لكى تصل للجمهور العادى، أما الحقيقة الفلسفية فتختلف الرموز فيها عن أمة إلى أمة -وبهذا الرأى يكون الفارابى قد خطا خطوة أبعد من الكندى الذى جعل الفلسفة فى خدمة الحقيقة التى نزلت بالوحى.

ثم هو من جهة أخرى يرى أن الفلسفة اليونانية يمكنها أن تقدم تفسيرا صحيحا لكل القضايا المهمّة والمثارة فى المجتمع الإسلامى المعاصر -فالإلهيات اليونانية وهى الهيات طبيعية- تتحدث عن اللَّه بوصفه العلة الأولى للفيض (أى صدور الموجودات عن اللَّه) كما تتحدث عن الوحى بوصفه نتاج الكمال الأسمى للعقل الإنسانى. وتتحدث عن الطبيعة الحقة لعملية الخلق وعن العناية الإلهية على نحو ما تتبدى فى تدرج الموجودات فى العالم، ثم هى تتحدث عن الخلود الذى لا يحظى به الكائن البشرى. إن الفلسفة تقدم لنا الرأى السليم عن حرية الاختيار الأخلاقية وعن الحياة الخيرة والإنسان الكامل -أى الفيلسوف- ينبغى أن يكون السيد الحاكم للدولة فالفلسفة وحدها هى التى تمدنا بالطريق الصحيح نحو إصلاح الخلافة -والفارابى يرسم بخياله مدينة مثالية (فاضلة) وأمة مثالية (فاضلة) وعالما مثاليا (فاضلا).

وبوسعنا ذكر بعض خصائص فكر الفارابى، من ذلك أنه كان يعتقد -شأنه شأن الكثيرين من مفكرى اليونان فى العصر المتأخر فى اتفاق آراء أفلاطون وأرسطو- وأقام فكره على مبادئ أرسطو -كما قدمها الشراح اليونانيون المتأخرون- فى المنطق، والعلم الطبيعى، وعلم النفس، والميتافيزيقا، وإن كانت هذه الميتافيزيقا فى تطوير الفارابى لها -قد اتخذت سمة معتدلة عن الأفلاطونية الجديدة. أما فى العلم السياسى فقد آثر أن يتابع خطى أفلاطون فى الجمهورية والقوانين؛ لأن تحليل أفلاطون للدول غير المثالية