على بن عيسى بن داود بن الجراح، الوزير العباسى، ولد سنة ٤٥ هـ (= ٨٥٠ م) من أسرة فارسية الأصل استقرت فى "ديرقُنَّا" على دجلة أسفل بغداد، والأرجح أنه تنصّر قبل اعتناقه الإسلام، وكان الكثيرون من أقاربه بمن فيهم أبوه وجدّه ممن عملوا فى دواوين الإدارة العباسية. كما أنه شغل أول وظيفة كتابية له وهو فى التاسعة عشرة أو العشرين من عمره، ولما أنشأ أحمد بن الفرات فى سنة ٢٧٨ هـ (٨٩٢ م)"ديوان الدار" اشتغل بالكتابة فيه كل من على بن عيسى وعمه محمد ابن داود تحت رياسة على أخى أحمد ابن الفرات، ولما صار هناك قسمان مستقلان للولايات الشرقية والغربية بعد ذلك بسبعة عشر عامًا اختير على ابن عيسى وعمه لإدارتهما، على أنه فى السنوات الأخيرة من خلافة المعتضد تفاقمت حدَّةُ الخلاف بين أفراد أسرة الجراح وبين الأخوين أحمد وعلى ولدى ابن الفرات، وبلغ هذا الخلاف ذروته حين مات المكتفى سنة ٢٩٥ هـ (٩٠٨ م) وخلفه أخوه المقتدر بفضل الجهود التى بذلها ابن الفرات، وحينذاك أخذ بنو الجراح يحيكون خيوط مؤامرة يرجون من ورائها خلعه ليتولى عبد اللَّه ابن المعتز الخلافة، ونجحوا فيما دبروه وأصبح أمر "الدواوين" كلها فى يد علىّ ابن عيسى أيام ولاية المعتز القصيرة وحينذاك غرم كثيرا من الأموال ونفى إلى مكة عند تولية المقتدر.
وفى أثناء وزارة ابن الفرات القصيرة ظل علىّ بن عيسى تحت المراقبة الشديدة فى مكة حتى سقط ابن الفرات سنة ٢٩٩ هـ (= ٩٠٠ م)، فلما كانت السنة التالية اقترح القائد مؤنس [الخادم] استدعاء علىّ بن عيسى فاستدعى فولى الوزارة بعد "الخاقانى" واستمر فى وزارته الأولى هذه أربع سنوات ظهرت فيها جهوده الكبيرة لإصلاح الأمور المالية، وعلى الرغم من نجاحه فى زيادة دخل بيت المال زيادة كبيرة إلَّا أن تقتيره فى النفقات والصرف جلب عليه كراهية البلاط بمن فيهم الخليفة المبذّر الذى لا يحس بالمسئولية.