النص الأصلى لهذا التقليد عند القلقشندى فى صبح الأعشى (جـ ٩، ص ٣٦٢ - ٣٦٦، وابن الجوزى: مرآة الزمان، مخطوط باريس رقم ٥٩٠٣)، ويتضح منه أن المأمون تجنب فى مهارة الإشارة إلى المشكلة الكبرى التى محورها دعاوى البيتين العباسى والعلوى، وإنما كان تعيينه عليا الرضا باعتباره أنسب الناس بناء على صفاته الشخصية، ولا تشير الوثيقة من قريب أو بعيد إلى من يخلف عليا الرضا.
ولقد أثار التعيين ردود فعل عنيفة متضاربة، فقد قام الولاة العباسيون المختلفون (باستثناء اسماعيل بن جعفر فى البصرة) بتنفيذ هذا القرار تنفيذا صادقا، وأخذوا يمين الطاعة لولى العهد الجديد وكان من الطبيعى أن يرحب الشيعة بهذا القرار الذى يقرر بصراحة ما يدَّعونه من حق فى الخلافة. أما فى العراق فقد ثار الأهالى حنقا على هذا القرار بالإضافة إلى انتقال العاصمة إلى مرو، وانضمت إليهم الحامية والأمراء العباسيون فاختاروا واحدا منهم خليفة بدلا من المأمون، وانصبَّت كراهية العراقيين على وجه الخصوص على أولاد سهل فنسبوا إليهم كل ما هم فيه من المصائب. والظاهر أن عليا الرضا العازف عن وضعه الجديد هو الذى بَيَّن للخليفة المعنى الحقيقى للثورة فى العراق، فلما أدرك المأمون أخيرا حقيقة الوضع أخذ يبدل شيئا فشيئًا فى سياسته، فخرج سنة ٢٠٣ م (٨١٨ م) قاصدا بغداد وفى صحبته كل من الفضل بن سهل وعلى الرضا، فاغتيل الأول فى "سرخس" ومات الثانى فى طوس بعد قليل من مرض ألمَّ به وإن قال المؤرخون الشيعة إنّ عليا بن هشام دس له السم فى رمانة أكلها فمات (اليعقوبى جـ ٢ ص ٥٥١) أو فى عصير رمان أعده له أحد سقاة القصر وناوله إياه الخليفة بنفسه وبيده كما جاء فى كتاب مقاتل الطالبيين، أما الطبرى فقد خلا تماما من كل ما يشير إلى أنه اغتيل، وقد أظهر المأمون حزنه عليه وصلى عليه، ودفن على الرضا إلى جوار ضريح هارون الرشيد وأطلق على المدينة التى بها قبره اسم "مشهد" بدلا من طوس، وتنسب المؤلفات الشيعية إلى على الرضا كثيرا من المعجزات.