ولايته، ويخرج المرء من مطالعته لهذه التفاصيل بأنه لم تكن تنقصه الصفات اللازم توافرها فى رجل الدولة، وإن لم يكن عبد الملك أقل عبقرية من أبيه. وعلى أية حال فإن السنوات السبع التى استبد فيها بالسلطة إنما هى فترة مشرقة فى تاريخ الأندلس قبل انهيار الخلافة الأموية فى الغرب.
لقد ظل "الحاجب" وفيا للسياسة التى اختطها أبوه المنصور بن أبى عامر فتابعه فيها، فلم يكن يمر عام إلّا ويشن حملة هنا وأخرى هناك، حتى إذا كانت سنة ٣٩٣ هـ (= ١٠٠٣ م) زحف بجيشه على بلاد الافرنج ودمر كل ما حول برشلونة، وخرب خمسًا وثلاثين قلعة من قلاع العدو، ثم هاجم فى العام التالى بلاد كومن قشتالة "شانجة غرسية" Sancho Garcia الذى اضطر لطلب الصلح، كما أنه قام بمساعدته فى حملته على جليقية واستريا، وشرع عبد الملك بن محمد بن أبى عامر فى صيف ٣٩٦ هـ (١٠٠٦ م) فى حملته التى لم يكن لها ما يبررها ضد إقليم "ريباجوزا" الفرنجية. على أن أهم حملاته على الإطلاق هى التى كانت فى السنة التالية ضد حصن "كلونيا" فاستولى عليه وخربه فاستحق من أجل هذا العمل أن يلقب بالمظفر. ثم أنه حارب فى سنة ٣٩٨ هـ = ١٠٠٧ م شانجة غرسية وقشتالة وكرر ذلك فى السنة التالية أيضا، وحدث أثناء هجومه على قشتالة أن أصابه -قرب قرطبة عدد وادى أرميلات- مرض فى صدره أدى إلى وفاته يوم ١٦ صفر ٣٩٩ هـ = ٢٠ اكتوبر ١٠٠٨ م.
لقد استطاع عبد الملك المظفر خلال سنوات حكمه السبع أن يحفظ لحكومة قرطبة تكوينها الإدارى القوى بتشجيعه الصقالبة ضد الأرستقراطية العربية. غير أنه كان هدفا لكثير من الهجوم على شخصه، وهناك من الأسباب ما يؤكد أنه كان لأخيه عبد الرحمن الذى خلفه يدٌ فى موته الفجائى المبكر.
[المصادر]
(١) Dozy: Histoire des Musulmans III, d'Espagne, III, ١٨٥ - ٢١٤
(٢) Levi-Provencal: Histoire de l'Espagne musulmane, Leiden, Paris, ١٩٥٠ - ١٩٥٣, II, ٢٧٣