وكانت نزلت فى هذه الأثناء، وقد حرم الحج فى هذه الآيات على المشركين إلا الذين عاهدهم النبى [- صلى الله عليه وسلم -] عهدًا خاصًا.
فلما كانت سنة عشر للهجرة حج النبى [- صلى الله عليه وسلم -] نفسه بالناس، وفى الحديث روايات كثيرة عن هذه الحجة التى تسمى حجة الوداع، ويتفق ما جاء فى هذه الأحاديث عن المناسك التى أداها النبى [- صلى الله عليه وسلم -] فى جوهرها مع ما جرى عليه المسلمون بعد ذلك، على أن ما اتخذه محمَّد [- صلى الله عليه وسلم -] فى هذه المناسبة له شأنه فى تاريخ الحج وخاصة إبطاله النسئ واتخاذه السنة القمرية البحتة وهو أمر ذكره القرآن كما يلى:
"إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا فى كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين، إنما النسئ زيادة فى الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عامًا ويحرمونه عامًا"(سورة التوبة الآية ٣٦ وما بعدها)، أما أحكام النبى [- صلى الله عليه وسلم -] الأخرى فى هذه المناسبة فانظر عنها ما يلى:
[٣ - الحج فى الجاهلية]
إن البحث فى أصل معنى المادة "حج" لا يعدو أن يكون من قبيل النظريات، ومع ذلك فإن بعضها جائز (٢١). وقد فسر لغويو العرب الحج بأنه "القصد". ويتفق هذا ومعنى الحج (عند النصارى) على أنه من الواضح أن هذا المعنى اصطلاحى كالفعل العبرى، ولعل المادة التى معناها فى اللغات السامية الشمالية والجنوبية "يطوف" أو "يدور" لها صلة بالمعنى الذى أسلفنا، ولكن هذا لا يقدمنا كثيرًا فى البحث الذى نحن بصدده. ذلك أننا لم نصل حتى إلى معرفة هل الطواف جزء من الحج (٢٢) الأصلى؟ والذى نعرفه أنه كان يقام فى الجاهلية كل عام سوقان فى شهر ذى القعدة أحدهما فى عكاظ والآخر فى مجنَّة، وكان يتلوهما فى الأيام الأولى من ذى الحجة سوق ذى