المجاز (٢٣) ولا يعرف الإِسلام شيئًا عن الطواف فى عرفات ولا نعرف نحن من أمره إلا القليل (٢٤).
ولم يك هذا الحج إلى عرفات أمرًا اختص به العرب. فالحج إلى معبد من المعابد عادة سامية قديمة جعلت حتى فى الأجزاء القديمة من أسفار موسى الخمسة فرضًا يجب أداؤه، فقد ورد فى سفر الخروج، الإصحاح الثالث والعشرين، الآية الرابعة عشرة:"ثلاث مرات يعيّد لى فى السنة" وفى الآية الثالثة والثلاثين من الإصحاح الرابع والثلاثين "ثلاث مرات فى السنة يظهر جميع ذكورك أمام السيد الرب إله إسرائيل" وربما كان فى بلاد العرب أيضًا أماكن كثيرة للحج حيث كانت تقام شعائر شبيهة بالحج إلى عرفات (٢٥) والظاهر أن شهر أجاثلبيث (Aggathalbaeith) الذى ذكره أبيفانيوس (Epiphanius) كان ينبئ فيما ينبئ به عن وجود معبد فى الشمال.
وكان الحج إلى عرفات يقع فى التاسع من ذى الحجة، وكانت شتى قبائل العرب تشترك فيه. وإنما كان يتيسر ذلك فى أيام السلم، ولذلك فإن الشهور الثلاثة وهى ذو القعدة وذو الحجة والمحرم كانت أشهر حرمًا تدفن فيها الأحقاد ويلقى بالسلاح جانبًا فى الأرض الحرام.
ولعل من المقطوع به أن الحج كان يقع فى زمن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] فى الربيع، ومع ذلك فإن فلهاوزن قد أظهر أنَّه من المحتمل أن وقت الحج فى الأصل كان فى الخريف، فإذا كان شهر النسئ قد قصد به كما هو محتمل الإبقاء على هذا الفصل من السنة فإن إلحاق هذا الشهر بها لا يكون قد أدى الغرض المقصود منه، ونحن لا نعلم علة ذلك، فإذا كان الحج وقع أصلا فى الخريف، فمن الطبيعى عند البحث فى معناه الأصيل أن نوازن بينه وبين عيد الخريف عند ساميى الشمال وهو عيد المظال (أو يوم الاستغفار) وهو أمر نجد له ما يؤيده أيضًا من أن عيد المظال فى التوراة غالبًا ما يطلق عليه للايجاز اسم "حج" (انظر