الطاعة، وهو يقتضى من العبد أن يشهد فضل اللَّه عليه فى التوفيق؛ ووقت المعصية وهو يقتضى من العبد الاستغفار والندم؛ ووقت النعمة، وهو يقتضى منه الشكر؛ ووقت البلية، وهو يقتضى الصبر والرضا. وإذا قال الصوفية إن الصوفى ابن وقته أرادوا أنه فى حكم هذا الوقت، مشتغل بما هو أولى به فيه، وإذا قالوا: الصوفى فى حكم وقته، أرادوا أنه تارك نفسه لما يختاره اللَّه له. وأساس ذلك كله فيما يظهر حديث ينسب للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: "لى مع اللَّه وقت لا يستغنى فيه ملك مقرب ولا نبى مرسل".
وإذن فعلى حين كان الفلاسفة والمتكلمون يبحثون فى الزمان، فى كونه جوهرًا أو غير جوهر، أو كونه متناهيًا أو غير متناه، كان الصوفية، فى سلوكهم إلى اللَّه وموقفهم منه، يعنون بما يجب عليهم فى كل لحظة من لحظات تدبير اللَّه لنفوسهم (١).
محمد عبد الهادى أبو ريدة
[الزمخشرى]
أبو القاسم محمود بن عمر: عالم عربى فارسى المولد، ومتكلم وفقيه لغوى، ولد فى خوارزم فى السابع والعشرين من رجب عام ٤٦٧ (٨ مارس ١٠٧٥) ووفد على مكة فى أسفاره طلبا للعلم، وأقام فيها ردحا من الزمن حيث حضر على ابن وهاس، ومن ثم لقبه جار اللَّه ومع ذلك فلاشك فى أنه اشتهر فى الأدب قبل ذلك. ولما مر ببغداد فى طريقه إلى الحج رحب به الفقيه العلوى هبة اللَّه بن الشجرى. وكان الزمخشرى متكلما يؤمن بتعاليم المعتزلة. وكان أيضا فقيها لغويا يفضل العربية تفضيلا على الرغم من أصله الفارسى، ولا يستخدم لغته الأولى إلا فى تعليم المبتدئين. وتوفى فى خوارزم يوم عرفات سنة ٥٣٨ (١٤ يونية ١١٤٤) ,, وظل قبره قائما فيها إلى أيام ابن بطوطة، وقد استطاع هذا الرحالة أن يشاهده هناك (الرحلة، طبعة باريس، جـ ٣، ص ٦).
وأعظم مؤلفاته شأنا هو تفسيره للقرآن المعروف بالكشاف عن حقائق
(١) راجع فى معنى الوقت عند الصوفية الرسالة القشيرية، طبعة القاهرة ١٣٤٦ هـ، ص ٣١؛ وشرح ابن عباد الرندى على كتاب الحكم العطائية لابن عطاء اللَّه، طبعة القاهرة ١٢٨٧ هـ، ص ٢٤، ٢٦، ٢٨، ٢٩.