يرجع عن خطئه، ودليل الغزالى فى ذاته شيئا حقيقيًا يقوم على فكرة التوازى والتشابه بين المكان والحركة والزمان. وقد أراد بعض الباحثين أن يتخذ من رأى الغزالى فى الزمان دليلا على أنه يرى أن فكرة الزمان شئ ذهنى وذاتى محض، وأنها "نسبة محضة" ويعارضهم باحثون آخرون، والحقيقة أن فى رأى الغزالى قسطًا من المذهب الذاتى فيما يتعلق بالزمان بحيث لا يصح إنكاره (١).
وما دام كاتب المقال الذى نعلق عليه قد أشار إلى الوقت عند الصوفية إشارة موجزة لا يكاد القارئ يفهم منها شيئا، فلنضف إلى كلامه أن الصوفية قد يستعملون كلمة الوقت فى معنى الزمان استعمالا لا يخرج عما نعرفه عند المتكلمين، معتزلة وأشاعرة، فيعرفونه بأنه "حادث متوهم علق حصوله على حادث متحقق، فالحادث لتحقق وقت للحادث المتوهم؛ يقول: آتيك رأس الشهر، فالإتيان متوهم، ورأس الشهر حادث متحقق؛ فرأس الشهر وقت الاتيان". ولكن الصوفية يستعملون كلمة الوقت استعمالا اصطلاحيًا، فيعتبرونه الحال التى يكون الإنسان فيها، ويقصدون من ذلك إقامة اللَّه للعبد فى حال من أحواله. ويرتبط هذا المعنى عندهم بآداب السلوك وترك التدبير للَّه، والوقت بهذا المعنى "حال" فردى، فلكل إنسان وقت، وفى هذا الوقت يحدث اللَّه ما يشاء، ويجب على الإنسان أن يراعى الأدب مع اللَّه، فيوفى كل وقت حقه ولا يترقب وقتًا يكون فيه فارغًا من الوقت الذى هو فيه، لأن ترقبه لذلك يمنعه من القيام بحقوق وقته، بل هو إذا ورد عليه خاطر يشغله عن حكم وقته استوحش منه. ومن هنا ندرك معنى قول ابن عطاء اللَّه فى حكمه:"ما ترك من الجهل شيئًا من أراد أن يحدث فى الوقت غير ما أظهره اللَّه فيه وقوله: "ما من نفس تبديه إلا وله (للَّه) قدر فيك يمضيه"، وقول ابن عباد الرندى فى شرحه على هذه العبارة الأخيرة: "الأنفاس أزمنة دقيقة تتعاقب على العبد ما دام حيا، فكل نفس يبدو منه ظرف لقدر من أقدار الحق تعالى ينفذ فيه". ويقسم أبو العباس المرسى أوقات العبد أربعة أقسام: وقت
(١) راجع كتاب Ridah Al-Ghazali und seine Widerleguug der griechischen Philosiphie: Abou مدريد، ١٩٥٢، ص ١٠٨ وما بعدها.