للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بنفسه موجود" ومستقل عن مدة وجود الأشياء المادية أو عن مكانها -وهذا عند ابن حزم هو مذهب المجوس ومذهب محمد بن زكريا الرازى الطبيب- فذلك عند ابن حزم شئ ليس عليه دليل ولا شبه دليل، وهو من قبيل الوساوس التى يستطيع أن يدعيها كل من لا يبالى ما يقول. ولا يتسع المقام لذكر أدلة ابن حزم على فسادها، ومهما يكن من شئ فالزمان عند ابن حزم حادث تبعا لحدوث ما هو مدة له (١).

وفى حدود هذه الفكرة العامة عن الزمان عند المتكلمين، أعنى إنكارهم حقيقة الزمان وجوهريته وقدمه تنوعت آراؤهم وتحددت وازدادت عمقا. وأول فكرة تستحق التسجيل هى فكرة الغزالى. يرى الغزالى (٢) أن الزمان حادث بحدوث العالم، وأن له، تبعًا لذلك، بداية، وأن تقدم اللَّه على العالم وعلى الزمان معناه أنه كان وحده قبل خلقه إياهما، وكلمة: كان، من قولنا: "كان اللَّه، ولم يكن معه عالم" ومن قولنا: بعد وجود العالم: "كان اللَّه ومعه العالم". وكذلك كلمة يكون من قولنا، بعد زوال العالم: "يكون اللَّه، ولا عالم معه"، كل هذه الكلمات لا تدل على وجود فى الزمان، بل على وجود اللَّه وحده، أو وجوده مع غيره، أما ما نتخيله من وجود معنى ثالث، هو الزمان، فهو فى رأى الغزالى من خطأ الوهم، وهو "نسبة لازمة بالإضافة إلينا"، والوهم لا يستطيع أن يتخيل وجودًا مبتدأ إلا ويتخيل شيئا قبله، هو الزمان، ولا يصح الاحتجاج فى إثباته بالاستناد إلى عجز الوهم. وكما أن العالم محدود متناه فى المكان، بحيث لا يوجد خارج العالم شئ، لا خلاء ولا ملاء، فكذلك لا يوجد قبل العالم ولا بعده زمان، وإذا كان قيام الدليل على تناهى العالم فى الامتداد وفى المكان يمنع من تصور امتداد خارج العالم، فكذلك قيام الدليل على تناهى الحركة من أولها ومن آخرها، وهو ما يثبته الغزالى، يمنع من القول بامتداد زمانى قبل خلق العالم، وان كان الوهم لا


(١) راجع كتاب الفصل القاهرة ١٣٤٧ هـ جـ ١، ص ٢٧ فما بعدها.
(٢) المسألة الأولى من كتاب التهافت.