سؤاله، ثم إذا قال غيره: متى طلع الشمس؟ يقال: حين جاء زيد، لمن كان مستحضرًا لمجئ زيد دون طلوعها الذى سأل عنه، ولذلك. . اختلف الزمان بالنسبة إلى الأقوام، فيقدر كل واحد منهم المبهم بما هو معلوم عنده" (١).
ومن البين أن الأشاعرة -والمقصود هم الأشاعرة الأولون- لم يخرجوا عن تصور المعتزلة الأولين. ومن هذا القبيل رأى الطبرى محمد بن جرير المؤرخ المفسر المتكلم المتوفى سنة ٣١١ هـ = ٩٢٢ م، فهو يقدم لكتابه الكبير فى التاريخ بمقدمة عن الزمان فيقول إنه مخلوق، ويتناول بالبحث ماهيته وكميته، ويبحث مشكلة: هل كان قبل خلق اللَّه للزمان شئ؟ وهل الزمان فان؟ وهل بعد فنائه شئ غير اللَّه؟ وكيف كان ابتداء خلق اللَّه للزمان؟ وكيف يكون فناؤه .. إلخ. ولا يتسع المقام لذكر رأى الطبرى فى هذا كله، فلنكتف بذكر تعريفه له بأنه "ساعات الليل والنهار" وأن هذه مقادير من جرى الشمس والقمر فى الفلك، وأنه يطلق على الطويل من المدة والقصير ويستعمل ظرفًا، كما يقال: جئتك زمان الصرام. أو أزمان الحجاج، وأن الزمان حادث تبعًا لحدوث الشمس والقمر وحركتهما وحدوث الليل والنهار عنهما، وله بداية، أما ما جاء فى القرآن أو غيره من الكتب المقدسة من ذكر "أيام" قبل وجود الشمس والقمر فذلك عند الطبرى مجاز.
وإذا أردنا مفكرًا إسلاميًا من المغرب الإسلامى وجدنا ابن حزم القرطبى المتوفى ٤٥٦ هـ = ١٠٦٢ م يتمسك بمعنى الزمان، كما يتمسك بمعنى المكان، المعهود المعروف عند العقلاء، ويعرفه بأنه "مدة وجود الجرم متحركا أو ساكنًا" أو "مدة وجود العرض فى الجسم"، أو بعبارة أعم "مدة وجود الفلك وما فيه من الحوامل والمحمولات". ويستعمل ابن حزم كلمة زمان مرادفة لكلمة "مدة" و"أمد" و"بقاء". أما ما يسمى "بالزمان المطلق" (الدهر) أو "المكان المطلق" (الخلاء، من حيث إن كلا منهما "معنى ثابت قائم
(١) شرح المواقف، للجرجانى، طبعة إستانبول، ١٢٨٦ هـ، ص ٢١٩؛ والمحصل للرازى، طبعة القاهرة ١٣٢٢ هـ، ص ٦١ - ٦٣.