يبقى علم الكلام أحد العلوم الدينية المعترف بها على نحو رسمى؛ لكن المدارس المختصة بالعلوم الدينية فى جامعات البلاد الإسلامية تعرف باسم "كليات الشريعة"، وفيها يدرس "الفقه" بنفس القدر كعلم الكلام إن لم يكن بقدر أكبر. ومن ثم فالكلام -المكلف أساسا بوظيفة الدفاع عن الدين- لا يشغل فى الفكر الإسلامى موقع الصدارة الذى يشغله اللاهوت فى المسيحية. ولكى نجد معادلا للاهوت theology بمعناه المسيحى يلزم اللجوء إلى العديد من المباحث الدراسية، وإلى "أصول الفقه" بنفس القدر الذى نلجأ به إلى "الكلام" وسوف نتحول الآن إلى رسم حدود هذه الحقيقة واستخلاص نتائجها، لكى نضعها فى سياقها التاريخى:
[أ - ثلاثة آراء]
(أ) فى كتابه "إحصاء العلوم" يقسم الفارابى العلوم وفقا لخطط التصنيف الأرسطى، مضيفا إليها مبحثى "الفقه" و"الكلام". وتلخيصه لأساليب المحاجاة التى استخدمها المتكلمون ينأى عن كونه مديح، وهو يؤكد على الطبيعة الدفاعية لعلم الكلام، ويميل إلى اعتباره امتدادًا للفقه ويقول إن المتكلم يدرك سمو المبادئ التى يرتكز إليها الفقه دون أن يخلص منها إلى أى نتائج جديدة.
(ب) فى كتابه "الاقتصاد" يكرس الغزالى ثلاثة من الفصول الأربعة لمقدمته للطبيعة ودور علم الكلام؛ فهذا المبحث له مكانة بين العلوم الدينية لأنه معنى بشفاء المتشككين من شكوكهم ودحض إنكار الناكرين، لكن دوره, علاجى أساسا ومن ثم فدراسته "فرض كفاية" كما ذكر فى "إحياء علوم الدين"، كان لم يكن اختصاصا موكولا إلى كل مسلم لأنه قد يكون مكمن خطر على النفس البسيطة الراسخة الإيمان. وفى "المنقذ من الضلال" يعيب الغزالى على "الكلام" مبادئه العقلانية التى تفتقر إلى البراهين الكافية.
(جـ) وعلى النقيض من ذلك نجد كبار مؤلفى المصنفات المجددة (ومن ثم