بذلت من أجل إقامة إدارة خديوية فى الجنوب وقمع تجارة الرقيق- ولم يحقق جوردون وزملاؤه سوى نجاح محدود نظرا لنقص الوسائل -وبعد عزل الخديو اسماعيل (يونيه ١٨٧٩ م) انسحب جوردون- أما من جاء بعدهما -سواء فى القاهرة أو الخرطوم- فكانت قبصته ضعيفة نسبيا، مما سهل الاتجاه نحو التمرد والعصيان فى الأقاليم السودانية.
٣ - حياة محمد المهدى الباكرة (١٨٤٤ - ١٨٨١ م) ولد محمد المهدى فى عام ١٨٤٤ م فى إقليم دُنقلة وكان والده يعمل فى صناعة بناء السفن، وحين كان محمد أحمد طفلا انتقل إلى "كرادى" على النيل، على بعد بضعة أميال قليلة شمال الخرطوم، حيث يتوافر خام الفلين. وبعد وفاة والده استمر أخوته فى ممارسة نفس المهنة، أما هو فقد تلقى تعليما دينيا على الطريقة التقليدية فى السودان المصرى. وأظهر ميلا مبكرا نحو الزهد والتصوف، وانضم فى عام ١٨٦١ م إلى حلقة مريدى الشيخ "محمد شريف نور الدائم" حفيد مؤسس طريقة "السمانية" فى السودان، وحين انتقل أخوته إلى جزيرة "أبا" فى النيل الأبيض بحثا عن الفلين، صحبهم إليها، وفى عام ١٨٧٠ م أقام مقر دعوته هناك ولما ذاعت شهرته بما هو عليه من التقوى صار له اتباع عديدون وربما كان هذا سببا فى انفصاله عن الشيخ محمد شريف، ثم انضمامه إلى مريدى شيخ آخر من شيوخ السمانيه هو الشيخ القرشى ود الدين (المتوفى سنه ١٨٧٨ م) وفى عام ١٨٨١ م صادقه رجل سيصبح أقرب مريديه إليه وخليفته فى رئاسة المهدية فيما بعد وهو عبد اللَّه بن محمد الذى جاء من "التعايشة بقادةً" وهم عرب يرعون الماشية فى دارفود. وأغلب الظن أن عبد اللَّه هذا قد لعب دورا حاسما فى تلك الأزمة الروحية التى أدت إلى أن يجاهر محمد أحمد بأنه "المهدى المنتظر" -وكان قد أسرّ بهذا السر لأول مرة لمريدية فى "آبا"(فى مارس ١٨٨١ م) ثم أسرّ لأنصاره فى زيارته الثانية لكردفان، أما الظهور العلنى للمهدى