فهذه الصفات التوكيدية -أبيض، أسود، أخضر، أحمر- تستخدم للدلالة على أن اللون قد وصل أعلى درجاته من النصاعة والتشبع، بينما الأسماء -"الشبع، التشريب، النحقيق، اليقئ"، تعتى التشبع، أما "البريق، اللصيف، الرعفيف" فتعنى النصاعة. وإن كان صحيحا أنه ورد فى هذا المقال أسماء التفضيل "فقيع، ناصع، خالص، ناضر" وهى جميعها فى صيغة اسم الفاعل، وهذه الأسماء.
أ) تعنى ضمنا -إذا ما ارتبطت بصفة لونية- فكرتى التشبع والنصاعة، إذ تعنى عندئذ أن اللون مكثف ولافت للنظر.
ب) وهى قابلة للتطبيق -فى الأصل على الأقل- على أى لون. ويبدو أن علماء النحو العرب قد حددوا -فى مرحلة لاحقة- لكل صفة لونية صفة تفضيلية خاصة بها.
[اللون فى رأى المعتزلة]
اهتم المعتزلة -وهم يشكلون مدرسة فى علم الكلام والسياسة تدافع عن العقيدة الدينية ببراهين عقلية- بمشكلة الأجسام المادية وكيف تدركها حواسنا، ولكن اختلفت وجهات نظرهم فى مسألة اللون. فالنظَّام (توفى حوالى ٢٣٠ هـ/ ٨٤٥ م) يبدأ من مسلمة مفادها أن الأعراض لا يمكن أن تكون مرئية ولا يمكن إدراج الألوان ضمن الجواهر، أما بشر بن المعتمد (ت حوالى ٢٢٠ هـ/ ٨٣٥ م) ومعاصره معمَّر وغالبية مريدى هذه المدرسة فإنهم يعدون الألوان أعراضا من فعل الإنسان وحده، أو هى تحدث بحكم طبيعة الأشياء التى تتأثر بفعل الإنسان. فاللَّه خلق الجواهر (الأجسام والذرات) وهى قادرة على أن تحدث بحكم طبيعتها أعراضا محددة تحديدا تاما، ومن هذه الأعراض اللون. كذلك عكست "مقالات الإسلاميين"(٢٩٣ - ٣٩٣ هـ) للأشعرى صدى هذا الجدال الذى نما وتطور فى دوائر هذه المدرسة حول هذه الأسئلة. هل بوسع المرء انطلاقا من إدراكه لشئ ملون أن يجزد اللون مع علمه بأن اللون المجرد لا تدركه الحواس بل يُعرف بالعقل؟ أو هل بوسع المرء أن يدرك إدراكا حسيا البياض والأبيض أو السواد والأسود