(ب) الادعاء السياسى: والراجح أن هذا الادعاء كان أعظم الادعاءات مغزى وأشدهما حسمًا. فقد ربط زواج الحلاج بينه وبين الزنج الزيدية؛ وجعلته أسفاره البعيدة يبدو للأعين كما لو كان داعية قرمطيًا؛ كما أن اللغة التى استعملها بل موضوعات تأملاته، استعارت عددًا من العناصر الشيعية، على الرغم من أن إجاباته عن الأسئلة فى هذا الموضوع ظلت تفصح عن استلهام عميق للمذهب السنى، ومن ثم قرر متهموه الذين خافوا تأثيره على الناس، وعلى قضاة المحكمة، تقديمه للمحاكمة على أنه مهيج للخواطر وثائر يهدد نظام، المجتمع. ومن التأويلات الحفية الزائفة لبعض أقواله (انظر ما تقدم) ما اتهم به من الرغبة مثل القرامطة فى هدم الكعبة المشرفة. ومن ثم أصبح "إهدار دمه حلالا شرعًا" باسم المجتمع نفسه.
وواقع الأمر أن الحلاج فى السنوات الأخيرة من حياته، قد جلب على نفسه فيما يظهر العذاب والهلاك وإن كان ذلك لأسباب مختلفة كل الاختلاف. فقد اعترف بأن الطريق الذى يجب أن يتبعه من خلال الحب، ومجاهدة النفس أمر يسمو على الإطار الشرعى للمجتمع، وقدم نفسه ضحية للمجتمع بالخضوع لقوانينه عن طيب خاطر.
[٤ - مغزى الرياضة والشهادة]
وفى تاريخ التصوف، يحتل الحلاج مكانة ممتازة بين القائلين بوحدة الشهود. وقد قيل فى بعض الأحيان أن هذه العبارة يجب أن تكون "وحدة الرؤية" أو النظرة (إشارة إلى معنى الوزن الثالث للجذر ش. هـ. د)؛ وأفضل من ذلك إلى حد بعيد أن تكون "وحدة الحضور". ولكن كلمة شهود تعنى حقًا حضور شئ أو شهوده؛ ونحن نرى من الأصوب الاحتفاظ بمعنى "وحدة الشهود" (أو شهادة الوحدانية، Lexique Tech-: L. Massignon nique de la mystique musulmane باريس سنة ١٩٥٤، ص ١٠٣). ووحدة الشهود ليست "البصر" أو "النظرة" وحسب، بل هى وجود فعلى، هو شهود كلى: شهود الله لذاته فى قلب عبده. ويؤدى هذا الجمع بالله إلى "اتحاد"