للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من غير الحكمة أن نكثر من الاستنتاجات اعتمادا على المعلومات الضئيلة التى لدينا عن حال العبيد فى الحجاز قبل الإسلام، فالاحتقار الدائم للأسلاف العبيد حتى لو كان -فقط- من ناحية الأم، والسخرية التى يعانى منها من تزوج من فتاة أسيرة -ربما كان ذلك من خصائص العقلية البدوية [آئنذ] أكثر من كونه دلالة على النظرة العامة لسكان المدن، وسيرة الشاعر المحارب المشهور عنترة وهو ابن بدوى ومن أم من الرقيق الحبشى، والذى كان عليه أن يقوم بأعمال بطولية أمام والده قبل أن يعترف ببنوته، هذه الحكاية ذات مدلول إذ إن فحواها ينطوى على معارضة لحرمان الأطفال الناتجين عن مثل هذه الزيجات من حقوقهم.

[القرآن والأخلاق الدينية]

كان الإسلام أكثر من الديانتين الأخريين -اليهودية والمسيحية- حسما فى مسألة الرق فى محاولة لتلطيف هذا النظام وتخفيف نواحيه الشرعية وإعطائه بعدا أخلاقيا، فالعبد -فى الإسلام- يمتلك القيمة نفسها التى للرجل الحر، ولروحه الخلود نفسه الذى لروح الحر، ويحض القرآن الكريم على تحرير العبيد، فهو تكفير عن الذنوب، وهو أيضا من أعمال البر والإحسان وهو كفارة للحنث فى القسم، وقد جرى العرف على التفرقة بين نوعين من العبيد. يقول ابن منظور "القِنْ -بكسر القاف وتسكين النون- هو العبد، والعبد القن هو الذى ملك هو وأبواه، وقن للمفرد والاثنين والجمع والمؤنث، وجمعه أقنان وأقنة والأخيرة نادرة، والأنثى قن بغير هاء، فالعبد القن هو الذى وُلد عندك ولا يستطيع أن يخرج عنك، وحُكى عن الأصمعى: "لسنا بعبيد قن ولكننا عبيد مملكة" ولدينا دليل قوى متمثل فى الآية ٣٣ من سورة النور على أن العرب قبل الإسلام كانوا يخصصون نساء العبيد (الجوارى) لصالح أسيادهم، وقد نهى الإسلام عن ذلك {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، وقد أتاح الإسلام للجارية المسلمة فرصة التزوج من المسلمين الأحرار بل وجعل الأمة المسلمة خيرا من المشركة الحرّة وقد