الإنسان المعاصر وإثارة اهتمامه. وربما نلحظ أنه يُعرف "علم الكلام" بأنه توطيد العقائد الدينية وتفسير الوحى سعيا إلى الحفاظ على الدين وترسيخه.
وتستمد رسالة التوحيد أهميتها من حقيقة كونها تطالب بعدم رفض أى شئ موروث من عصور الماضى العظيمة، وضرورة التمرس على الإفادة من الإنجازات الإيجابية لكل مذهب. ويتمسك محمد عبده بصفة أساسية -ولكن دون جمود- بمذهب الأشاعرة (أسماء اللَّه الحسنى وصفاته، ولا محدودية أفعال اللَّه سبحانه وتعالى. . . الخ). لكنه لا يتردد فى أن يستمد الأفكار من مواقف كان المتعارف عليه اعتبارها ماتريدية، أو أن يتبنى حتى مواقف معتزلية. لقد كان محمد عبده يسعى إلى النفاذ فيما وراء خلافات العصور الماضية من أجل تحقيق التصالح بين النزعات المختلفة للكلام.
ومع ذلك فدوره لم يكن دور المفكر (أو عالم الفقه) بقدر ما كان "دور المصلح"؛ فهو حين يجابه غيب، "فعل اللَّه سبحانه وتعالى فى العالم" لا يحاول أن يفرض عليه اجتهاده النابع من الاستنارة بالوحى، وفقا للنهج الذى وجد مفكر مثل "فخر الدين الرازى" نفسه مضطرا لاتباعه ومن أجل تعزيز إيجاب الإيمان وإيجاب الخبرة الإنسانية، نجده يفضل الاحتماء بالإقرار بجهله.
[(٣) المنهج والإشكالية]
[أ- المحاجاة وأساليب الاستدلال العقلى]
على هذا النحو تقدمت الحلول وتنوعت للغاية المقاييس المختارة؛ لكن جمع بينها أنها كانت دائما تتنوع تبعا للعقيدة التى تدافع عنها أو تبعا للخصوم الذين تجرى مواجهتهم. وسوف نقتصر فى تناولنا على بعض الملحوظات حول المذهبين الكبيرين. لقد سعى المعتزلة -فى ظل هجمات الزنادقة- إلى إعلاء شان وحدانية اللَّه المطلقة وعدالة اللَّه المطلقة، لكن هذا الإعلاء سرعان ما يستحيل بفعل الحجج المدفوع بها لتحقيق الإقناع إلى مجرد "تبرير"؛ بمعنى أن الذات الإلهية والفعل الإلهى يصبحان مبررين أمام