وما انقضت بضعة أسابيع على هزيمة المماليك في دابق لخمسة وعشرين يوما خلت من رجب عام ٩٢٢ هـ (٢٤ أغسطس ١٥١٦ م) حتَّى فتحت دمشق أبوابها للعثمانيين. وكانت المدينة فيما مضى من العهد المملوكى قصبة ولاية من الولايات فحسب، ولم تصبح تلك البقاع منذ ذلك الوقت مشهدا لأحداث تاريخية عظيمة. وليس حقا خالصا ما يقال من أن اضمحلال المدينة إنما يرجع إلى سوء الحكم التركى، ذلك لأن مواردها كانت قد استنفدتها حروب القرون الماضية. والعهد التركى جدير بأن يفاخر بما أسداه لتاريخ العمارة في دمشق, لأن عددا من أبدع آثار المدينة الحديثة يعود تاريخه إليه.
وكان الطراز المصرى قد أصبح هو الغالب في عهد المماليك، ولكن الأثر التركى غدًا آنئذ واضحا ملموسا. وشيد السلطان سليمان الأول عام ٩٦٢ هـ (١٥٥٤ م) تكية أمام أبواب المدينة الغربية مكان القصر الأبلق القديم وبأنقاضه؛ وقد بنى هذا البناء الجميل في موضعه البديع على نهر بردى على الطراز التركى (انظر المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة، جـ ٧، ص ٢٥٣ وما بعدها Manuel de L'Art: Saladin Musulman جـ ١، ص ٧٤) وحسبنا أن نذكر هنا مسجدين من أشهر مساجد دمشق أنشأهما الباشوات الأتراك، وكلاهما على طريق الميدان، وأولهما الدرويشية وقد بدأ بناءه درويش باشا عام ٩٧٩ هـ الموافق ١٥٧١ م (المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة، جـ ٧، ٢٦٠) والثاني السنانية، وله شهرة فائقة للقاشانى الذي فيه، وقد شيده سنان باشا عام ٩٩٤ هـ (١٥٨٥ م) في موضع مسجد البصل القديم (المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة، جـ ٧، ص ٢٦٢) ويذهب فون كريمر (: Von Kremer Topographie جـ ١، ص ٤٨) إلى أنَّه أجمل مبانى دمشق بعد المسجد الأموى. والواقع أن العمارة في دمشق لم تتوقف قط وإن كانت المصادر التي بأيدينا عن تاريخها في القرون الأخيرة جد قليلة. وقد اقترنت نهضة الشرق بظهور محمَّد على.