تدافع عن نفسها دفاع المستيئس أمدًا طويلا. وعاث الجند في المدينة نهبا وسلبا مخالفين في ذلك شروط التسليم، وأشعلوا فيها نارًا أتت على الجانب الأكبر منها وذهبت بأرواح لا تحصى من أهلها. وقد روى يوحنا شلتبرجر البافارى الذي كان مملوكا في جيش تيمور زمانًا طويلا أن ثلاثين ألفًا من النساء والرجال والأطفال حبسوا في المسجد الكبير، ثم أشعلت النَّار فيه، ومن المحقق أن غارة تيمور هذه كانت على أقل تقدير أشد نازلة أصابت دمشق لعدة قرون، وهي المدينة التي تقلبت عليها النوائب.
ومرة أخرى غلبت على الفترة الثَّانية من حكم فرج الفوضى التي تسبب فيها الأمراء الثائرون الذين انحصرت وقائعهم بصفة خاصة حول دمشق المنكودة، وكانت هذه المنازعات تتكرر باستمرار في القرن الأخير بأسره من حكم المماليك. وكان تغير السلطان في القاهرة يعد عادة دليلا على انتقاض والى دمشق، ومن ثم فليس بعجيب أن المدينة لم تفق بسرعة من الويلات التي جرتها عليها غارة تيمور. ويقول القلقشندى المتوفى عام ٨٢١ هـ (١٤١٨ م) إنه لم يعمر في زمانه سوى جانب يحيط بالمسجد، وبقيت سائر أجزاء المدينة أنقاضا (ضوء الصبح، ص ٢٨٣) ومهما يكن من شئ فقد كانت تبنى باستمرار مدارس جديدة ومساجد. وشاعت أسماء السلاطين في نقوش كثيرة تدل على تشييد مبان جديدة وتعمير أخرى خربة خاصة بأعمال البر ومظاهر الملك. وإلى هذا العهد تدين دمشق بمبان كثيرة مثل الصابونية الجميلة في طريق الميدان (المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة، جـ ٣، ص ٢٦٤)، ومسجد يلبغا ناحية الشمال الغربى من القلعة (المصدر نفسه ص ٢٣٦ , ٤٣١ وما بعدها) كما يعود تاريخ المئذنة الغربية في المسجد الأموى في صورتها الحالية إلى عهد قايتباى, لأن ذلك الجزء منه قد أحرق عام ٨٨٤ هـ، على أن أمراء المماليك أنفسهم الذين كانوا أعلى من ذلك همة عادوا لا يستطيعون أن يردوا المدينة إلى عهد دائم من الرخاء والازدهار.