وفى عصر المماليك كثرت أوقاف السلاطين والأمراء على الجامع الأزهر، وأصبحت متحصلات هذه الأوقاف تشكل صفة الموارد المالية الثابتة للإنفاق عليه وعلى علمائه وطلابه. وكان لهذه الأوقاف الفضل الأول فى احتفاظ الجامع الأزهر بشهرته العلمية، وفى استمراره مركزاً للحركة العلمية فى مصر والعالم الإسلامى قرونًا طويلة.
[العصر الحديث]
ظل الأزهر يؤدي رسالته بوصفه جامعًا يؤمه الناس للصلاة، وجامعة لدراسة شتى العلوم الإسلامية. واطمأن المصريون إلى الدروس التى تلقى فى رحابه وحول أعمدته؛ وذلك لما اتسمت به نظم الدراسة من طابع الحرية العلمية.
وكان كثير من المجاورين يطالعون قبل حضورهم إلى حلقة الدرس ما قد يصل إلى أيديهم، أو يقع تحت أبصارهم، مما يمت إلى درسهم بصلة. وكانت العادة أيضًا أن أنجب الطلاب، أو المعيد منهم، يطالع للباقين درس شيخهم حتى يكونوا مستعدين لما سيلقيه عليهم. ولم تكن الدراسة طبقا لخطة مُحَددة، أو منهج موضوع، بل كان الأمر متروكا للشيخ فى اختيار الكتب التى يدرسها. وكان لهذه الحرية المطلقة، التى تمتع بها الأزهريون فى دراستهم، أثر بالغ فى تكوين علمائهم الأفذاذ.
وكان التعليم بالأزهر، حتى عصر محمد على، على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: يبدأ الطالب فيها بحفظ القرآن، وتعلم القراءة والكتابة. وقد يدرس إلى جانب ذلك شيئًا من حساب المقاييس والموازين؛ فإذا انتهى الناشئ من ذلك، انتقل إلى مرحلة تالية. وغالباً ما يتلقى الناشئ هذه الدراسة الأولية فى أحد المساجد أو الكتاتيب، فى قريته أو حيه، أو فى الجامع الأزهر.
المرحلة الثانية: وفيها يظل الطالب تحت إشراف أستاذه الذى يلقنه دروسا فى القراءة وكتابة الموضوعات الإنشائية التى يتدرج فيها من السهولة إلى الصعوبة، متمشيا فى ذلك مع النمو العقلى للتلميذ. وفى هذه المرحلة يكون التلميذ قد حفظ القرآن الكريم، فامتلأت به نفسه، وتقوم لسانه.