وكانت مدينة دمشق من عام ١٨٣٢ إلى عام ١٨٤٠ م تحت حكم المصريين، وقد شمر إبراهيم باشا عن ساعد الجد وأخذ يعيد الأمن والنظام إلى الربوع الخربة. وبدأت التجارة والصناعة في الازدهار، وشيدت المبانى للأغراض الإدارية، والعسكرية بنوع خاص، ومما يؤسف له أن بنايات قديمة هدمت تحقيقا لهذا الغرض في كثير من الأحيان. وهكذا حولت التنكزية إلى مدرسة حربية وشيدت سراى الحربية على أنقاض دار العدل التي شيدها نور الدين. وأدت العداوة بين الدروز والموارنة في لبنان التي أخذ أمرها يستفحل إبان الحروب المصرية التركية أيام بشير الشهابى إلى مذبحة هائلة أصابت المسيحيين في دمشق عام ١٨٦٠ م؛ وفي أثنائها وضع عبد القادر، وكان قد نفي من الجزائر، معظم النصارى في كنفه. ويستطيع المرء أن يذكر في الأعوام الأخيرة العهد القصير الذي حكم فيه المصلح مدحت باشا عام ١٨٧٨ م، فقد تحسن التعليم، ولو أن بعض منهاجه قد عاد إلى الإنهيار سريعا، ومن إصلاحاته الباقية استبداله الشوارع بأزقة السوق القديمة الضيقة. وقد تأثر تقدم المدينة في العهد القريب بشبوب الحرائق العظيمة كما حدث مرارا يخطئها الحصر في القرون السابقة. وفي عام ١٨٩٣ م احترق الجامع الأموى حتَّى جدرانه، وأَتت النيران في أبريل عام ١٩١٢ م على أجزاء كبيرة من الأسواق الجديدة.
وتأثرت التجارة المارة بدمشق تأثرا بالغًا بحفر قناة السويس وقد وصلت السكك الحديدية المدينة من سنة ١٨٩٤ م بحوارن المنتجة للقمح، كما وصلتها ببيروت من عام ١٨٩٥ م، وبحيفا من عام ١٩٠٥، فعوضها ذلك بعض التعويض عما خسرته، في حين لم يؤثر خط الحجاز الرئيسى على ما يظهر أي أثر كبير في رقيها الاقتصادى، وسيقضى الاستمرار في مد الخطوط الحديدية في الشَّام بمرور الزمن قضاء مبرما على حركة القوافل. وليس من شك في أن الأراضى الضيقة المرتفعة المتاخمة للساحل ستصيب تقدما كبيرًا قد يحقق للمدينة رخاء دائمًا إن لم يعد إليها سيادتها السابقة.