دوست محمد خان، وقد اصطحبه دوست في حملته على هراة. وتوفى هذا الأمير فخلفه أمير شير على، وكان جمال الدين من خلصاء محمد أعظم أخي الأمير الجديد، فانغمس في النزاع الذي نشب حول ولاية العرش. ولما دالت دولة مولاه، وكان وزر له مدة قصيرة، صمم على الرحيل من أفغانستان. فتذرع أنه يريد الحج مرة أخرى (١٢٨٥ هـ = ١٨٦٩ م) وسافر إلى الهند وظل بها مدة قصيرة ثم قصد إلى مصر وأقام بها أربعين يومًا اتصل في أثنائها بالأوساط الأزهرية وألقى في داره دروسًا خاصة. ثم رحل إلى استانبول فبلغها سنة ١٢٨٧ هـ (١٨٧٠ م)، وكان قد سبقه إليها صيته العريض. فاستقبله وجوه القوم فيها استقبالا حارًا. وسرعان ما عين في مجلس التعليم، ودعى إلى إلقاء محاضرات في مسجد آيا صوفيا ومسجد أحمدية. وألقى السيد على الطلبة في دار الفنون وبمحضر كثير من علية القوم محاضرة في فائدة الفنون والصناعات، فذكر فيها النبوة وعدّها من مختلف الوظائف الاجتماعية، فانتهز الفرصة شيخ الإسلام حسن فهمى، وكان ينفس على السيد ازدياد شهرته ونفوذه، فرماه بالدعوة إلى آراء هدامة، إذ جعل النبوة من الصناعات. وعرف جمال الدين بالدسائس التي حاكها له خصومه، فاستقر عزمه على مغادرة استانبول، وتوجه إلى القاهرة فتلقاه أولو الأمر والطبقات المثقفة بالحفاوة والترحاب، وأجرت عليه الحكومة المصرية ١٢.٠٠٠ قرش سنويًا دون أن تطالبه بأداء عمل رسمى معين. فغدا مطلق الحرية يعلم الشباب الذين التفوا حوله في بيته ويلقى عليهم أحاديث حرة في فروع الفلسفة والدين العالية. ويرشدهم في الوقت نفسه إلى سبيل الكتابة والتحرير. أما في ميدان السياسة فقد أثر جمال الدين فيمن حوله، وسعى إلى إيقاظ الشعور الوطنى، وإثارة الرغبة في الحصول على نظم حرة ودستورية. وكان له أيضًا أثر في الحركة الوطنية التي شبت سنة ١٨٨٢ وأدت إلى ضرب الإسكندرية بالقنابل ووقعة التل الكبير واحتلال الإنجليز لمصر. وقد أخرج هذا المهيج الملهب للخواطر من مصر قبيل