مقامة عن "البعث". وتشهد أعمال ابن شهيد وابن شرف السابق ذكرهما بمدى انتشار تأثير بديع الزمان فى شمال أفريقية والأندلس، وينطبق نفس القول على الشاعر ابن فتوح الذى كتب مقامة عن شعراء عصره، قدمت أيضًا فى صورة حوار. وفى المشرق نجد خلفا قريب العهد بالهمذانى، هو الطيب بن بطلان (توفى ٤٦٠ هـ/ ١٠٦٨ م) يكتب مقامة فى "تدبير الأمراض".
إلا أن الحريرى هو أكثر خلفاء بديع الزمان شهرة، وهو الذى وضع هذا الفن فى قالبه الكلاسيكى، كما حوله عن التركيز على المضمون إلى الاهتمام بالشكل، فركز كل التركيز على الأسلوب الذى يتسم بالغموض، والذى كان الهدف منه استعراض المقدرة اللغوية، لدرجة أن عشرين فقيها لغويا تولوا شرح مقاماته التى بلغت من الشهرة درجة تحفيظها للصبيان -بعد القرآن الكريم- عن ظهر قلب، كما أنها حفزت كتّاب المقامات المتأخرين على تقليده فى الحيل اللغوية التى ابتكرها.
ومن القرن السادس نذكر مؤلفان لهما شهرة طيبة فى كتابة المقامات، قلدا فيها الحريرى، هما الحسن بن صفى، وكنيته ملك النحاة (٤٨٩ - ٥٦٨/ ١٠٩٥ - ١١٧٣) وأحمد بن جميل (توفى ٥٧٧ هـ/ ١١٨٢ م) من بغداد، مؤلف "كتاب المقامات". أما فى الأندلس فقد بلغت شهرة الحريرى أوجها، وكتبت أعظم شروح لمقاماته، وهى ما قام به الشرشيرى (توفى ٦١٩ هـ/ ١٢٢٢ م)، كما قلده الإشتركونى فى "المقامات السرقسطية" التى يبلغ عددها خمسون، وهو العدد التقليدى كما أسلفنا، وهى تعرف أيضا باللزوميات، دلالة على تأثر الكاتب بأبى العلاء. واشتهر بكتابة المقامات أيضًا الوزير أبو عامر بن أرقم والفتح ابن خاقان والوزير أبو الحسن سلامة الباهلى. وفى سورية، تنسب "المقامة الفاسية" لابن محرز الوهرانى (توفى ٥٧٥/ ١١٧٩). وقد تناول بعض الصوفية، كالسهروردى (توفى ٥٨٦ هـ/ ١١٩١ م) مصطلحات الصوفية فى "مقامات الصوفية".