ويتبين من كل ما تقدم أنه لا يوجد أساس لرد ما كان عليه الحنيفيون إلى يهودية ولا إلى نصرانية. وإذا كان فى الإسلام شئ موجود فى ديانات منزلة سابقة فذلك لأنه دين منزل مثلها، وهو قد جاء مصدقا لما قبله من الأديان ومصححا ومكملا لها. وما هو مشترك بينه وبينها ليس بتأثر ولا بتقليد وإنما هو تجديد التشريع المتقدم وتشريع جديد وذلك من قبل اللَّه باعث الرسل بالشرائع. والهدى الإلهى فى أصوله وروحه واحد. (٥) اتضح مما تقدم، وحتى من كلام كاتب المادة نفسه، أن الصوم كان معروفا فى مكة، ولم يكن النبى عليه الصلاة والسلام بحاجة إلى أن يعرف ذلك من رحلات ولا من أسفار. وهو رسول يتلقى التعليم من اللَّه. والكاتب بقوله إنه لا يمكن القول بشئ يقينى يعترف بأن كلامه ظن. والباحث المحقق فى غنى عن مثل هذا. وهو إذ يزعم أن ما تحكيه السيرة والروايات الإسلامية يجوز أن يكون غير برئ من الغرض يقول كلاما مبهما ولا سبيل إلى معرفة مقصوده. فهل هو يقصد مثلا شيئًا من قبيل ما جاء فى الحديث الصحيح (البخارى مثلا كتاب الصوم) من أن قريشا كانت تصوم يوم عاشوراء فى الجاهلية؟ إن كلام الكاتب يثير الشك من غير دليل، وهو يعلم أن الروايات الإسلامية كانت موضع تمحيص من جانب العلماء، وهم لم يسجلوا إلا الصحيح. وما كان موضع نظر أو شك نبهوا عليه. أم هو يقصد شيئًا من قبيل ما روى فى السيرة من أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتحنث فى رمضان؛ أو ما فى بعض الروايات الإسلامية من ان صوم رمضان كان قد فرض على الأمم السابقة. وما هو دليل كاتب المادة على أن اللَّه لم يتعهد الرسول بالهداية كما تعهد من قبله من الرسل، أو على أن الصوم لم يكن قد فرض من قبل. ومهما كان الأمر فإن صيام اليهود والنصارى شئ يفترق عن الصيام فى الإسلام =