للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ففى السور المكية ورد ذكر الصوم، كما تقدم القول، فى سورة مريم، الآية ٢٦: صوت (٦) يأمر مريم (عليها السلام) أن تقول {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا}. ويجوز أن الصوم هنا ليس معناه سوى "الصوم" [بمعنى الإمساك عن الطعام والشراب]؛ لأن الإمساك عن الكلام باعتباره صومًا نصرانيا (انظر أفراهاط، طبعة Parisot فى patrol. Syriaca، مجلد ١, ص ٩٧) يجوز أنه كان معروفا لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لكن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لم يكن على كل حال عارفًا بالتفصيلات لأنه لم يأمر بصوم يوم عاشوراء إلا بعد الهجرة لما رأى اليهود يصومونه (٧)، وفى العام الثانى للهجرة،


= ففيما يتعلق بصوم اليهود لم يفرض عليهم إلا صوم واحد (لاوين ١٦/ ٢٩)، وبعد ذلك فى عصور مختلفة كان اليهود يصومون أياما فى مناسبات. وكان من مظاهر تقشفهم فى الصوم أنهم كانوا يلبسون المسوح على أجسادهم وينثرون الرماد على رؤوسهم ويتركون أيديهم غير مغسولة ورؤوسهم غير مدهونة ويصرخون ويتضرعون ويبكون. . وهكذا مما نقده السيد المسيح عليه السلام لأنه تظاهر (متى ٦/ ١٦).
أما الصيام عند النصارى فمن المعروف أن السيد المسيح عليه السلام لم يكن يصوم الأصوام الشرعية المعروفة من قبل، ولكن يذكر أنه صام مرة أربعين يوما بلياليها, لكنه لم يفرض صياما معينا، ثم جاءت الكنيسة ففرضت الصوم ونظمته.
وإذن فالصوم يحسب الديانتين السابقتين، وكما حفظ تراثهما، تكوّن وتشكل مع تطور الحياة الدينية وطبقا لتنظيم الهيئات الدينية (راجع مادة "صوم" فى قاموس الكتاب المقدس. ط بيروت ١٩٠١، جـ ٢، ص ٣١ - ٣٢, وما كتبه الأب قنواتى عن الصوم اليهودى والنصرانى فى مقدمة كتاب "إتحاف أهل الإسلام بخصوصيات الصيام" لابن حجر الهيثمى، القاهرة ١٩٦١، ص ٢٩ - ٤٠).
إن الصوم الإسلامى جاء بالنسبة لما عقد اليهود والنصارى شيئًا جديدًا, وهو فرض صيام شهر بأكمله. وهذا الصوم له شروط وآداب مفصلة، وهو ليس مجرد كف عن الطعام والشراب ونحوهما من الجسديات ولا هو تقشف ظاهرى، وإنما هو حياة روحانية، حياة ذكر وفكر، وإحسان وبر، وتخلق بمكارم الأخلاق.
(٦) يقصد كاتب المادة قوله تعالى: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي}، والضمير الفاعل فى قوله فناداها يعود إما على عيسى وأما على جبريل عليهما السلام.
(٧) أية تفصيلات هذه التى يقصدها كاتب المادة! ؟ وهل هناك تفصيلات يمكن أن تعرف! ؟ وهو إذا كان يريد الروايات الصحيحة فإن فى حديث البخارى، كتاب الصوم، عن عائشة أن قريشًا كانت تصوم يوم عاشوراء فى الجاهلية وأن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان يصومه. ويجوز أن يكون ذلك عند قريش من قبيل العادات أو العبادات التى يعرف أصلها أو لا يعرف، وهذا يحدث كثيرًا ومن المعلوم أن قريشًا لم تكن على اليهودية.
على أنه لما ذهب الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إلى المدينة ووجد ان اليهود يصومون يوم عاشوراء وسأل عن ذلك وقيل له إنه يوافق يوم نجاة موسى عليه السلام وإن موسى صامه فعند ذلك صامه الرسول وأمر بصيامه قائلا: إنه أحق بموسى من اليهود، وهذا من جانب الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] تشريع يقوم على فكرة وليس تقليدًا. ثم بعد أن فرض صيام رمضان أصبح صيام يوم عاشوراء صياما اختياريًا. وكان النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يريد تأكيد استقلاله فى =