للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا نجد أن الثقة بأبى هريرة كانت محل جدل عنيف بين كثير من الناس (٨).

وكان الحكم على محدث يختلف باختلاف وجهة نظر كل طائفة أو فرقة معينة، ونشأ عن هذا خلافات مرة. وينبغى أن نذكر فى هذا المقام أن مادة الحديث المروى كانت أيضا أصل التنازع. وإذا كانت الثقة بالمحدثين هى محل النزاع، فالغالب أن ما فى موضوع الحديث من هوى هو الذى كان يثير المعارضة دائمًا. فالحكم النهائى لم يكن مقصودًا به قيمة المحدث وإنما كان المقصود به الحكم على مادة الروايات التى يرويها (٩).

وفى عصر متأخر، وبعد أن اتخذت العقائد والعبادات والنظم السياسية والاجتماعية وضعًا محددًا فى القرنين الثانى والثالث للهجرة نشأ رأى عام معين فيما يتعلق بالثقة بمعظم رواة الحديث وقيمة رواياتهم. وقد اعتبرت أصول العقائد التى اشتملت عليها كتب مالك بن أنس والشافعى وغيرهما من العلماء صحيحة فى نظر طوائف واعتبرت ثقة على وجه خاص فيما روته من أحاديث محمد [- صلى الله عليه وسلم -]. ومع مضى الزمن لم يجرؤ أحد على الشك فى صحة هذه الأحاديث؛ ولم يصبح فى الإمكان اعتبار رجال كأبى هريرة - الذى يرجع إليه الفضل فى تداول هذه الأحاديث - من الكاذبين. بل سلِّم على وجه عام بصحة كثير من الأحاديث التى تتضمن بعض أخطاء تاريخية شديدة الوضوح (١٠)، ولم يرفض شئ منها إلا ما كان لا يتعارض مع ما وقع الإجماع على صحته. على أن الميل على العموم كان متجها إلى الثقة بمثل هذه الأحاديث أيضًا إذا أمكن على الأقل تفسيرها بروح من التوفيق.

وعلى مر الزمن فقدت الخلافات القديمة كل أهمية عملية عند الأجيال الناشئة، ووجد أن معظم الأحاديث المتصلة بهذه الخلافات، ولو أن بعضها يعارض البعض الآخر، إلا أنه أمكن فى الغالب التوفيق بينها بفضل المهارة فى تفسير مضمونها. وعلى هذا أصبح رفض الحديث يعد عملا متطرفًا لا يلجأ إليه إلا عند اليأس من تأويله (انظر