الحادثة التي أوردها تأييدا لتفسيره اسم الخوارج). وقد أطلق على هؤلاء الخوارج الأوائل اسم آخر (وقد توسع في معناه كذلك حتى انسحب على خلفهم، ويظهر أنه الاسم الذي أطلقوه على أنفسهم) هو الشُراة (وهو جمع شار) أي الذين يشرون أنفسهم ابتغاء مرضاة الله.
وسرعان ما ظهرت مغالاة الخوارج في التعصب في سلسلة من الأقوال المتطرفة والأعمال الإرهابية: فقد قالوا بعدم أحقية علي للخلافة، كما طعنوا في مسلك عثمان وأبوا الثأر لمقتله. بل تجاوزوا ذلك فوصموا بالكفر والارتداد عن الدين من لا يجاريهم في التبرؤ من على وعثمان، ثم اقترفوا بعد ذلك كثيرًا من جرائم القتل ولم يبقوا في ذلك على النساء. وقويت شوكة الجيش الخارجى شيئًا فشيئا بتزايد العناصر المتشددة المشاغبة، ومن بينها عدد من غير العرب اجتذبهم مبدأ المساواة بين الشعوب في الاعتقاد، وهو المبدأ الذي قال به الخوارج وتمهل علي حتى ذلك الوقت عن مواجهة العصاة تجنبا لنشوب القتال في ساقته، إذ كان عليه أن يواجه جيش معاوية، ثم اضطر بعد الصدع الذي أحدثته مقدمات الصلح إلى أن يتخذ عدته للقضاء على الخطر المستشري، فهاجم الخوارج في معسكرهم، وألحق بهم هزيمة منكرة قتل فيها ابن وهب وأكثر أتباعه (وقعة النهروان في ٩ صفر عام ٣٨ هـ = ١٧ يوليه ٦٥٨ م) ولكن النصر أبهظ عليا، ذلك أنه لم يقض على الفتنة القضاء المبرم، فظهرت في سلسلة من الفتن المحلية عامي ٣٩، ٤٠ هـ، بل كانت سببًا في استشهاده, فقد قتل بسيف خارجى يدعى عبد الرحمن بن ملجم المرادى وهو زوج امرأة فقدت معظم أهلها يوم النهروان. ويكاد يكون من المحقق أن الرواية التي تذهب إلى أن الخوارج تآمروا على قتل عليِّ ومعاوية وعمرو بن العاص والي مصر رواية منحولة.
ويجب أن نلاحظ أن روايات مؤرخى العرب عن أصل حركة الخوارج مضطربة ومتناقضة. ويظهر