ولم تتسع حركة الخوارج اتساعًا خطيرًا إلا في إبان الاضطراب الشامل الذي نشأ من الفتنة الكبرى التي أعقبت وفاة يزيد بن معاوية، وكانت هذه الحركة أهم العوامل التي أوهنت من قبضة عبد الله بن الزبير المطالب بالخلافة على الربوع التي استطاع أن يخضعها لسلطانه أول الأمر، فلما قضى على عبد الله بن الزبير اضطر عمال بني أمية إلى خوض غمار صراع عنيف مع هؤلاء العصاة العتاة الذين كانوا أعداء لعبد الله بن الزبير وللأمويين على حد سواء. ومن ذلك الوقت أخذنا تميز بين الخوارج شعبا أشبه بالشعب السياسية وشعبا أشبه بالشعب الدينية، وليس أصلها واضحا على الإطلاق. ولعل الرواية التي تجعلهم يظهرون فجأة بالبصرة عند وفاة يزيد، قد غيرت السياق الحقيقي للحوادث. ومهما يكن من شيء فنحن نجد الخوارج منذ ذاك يقومون في الجانب الشرقى بأسره من الدولة الإسلامية (وكانت بلاد الشام بنجوة منهم دائما ولم تعرفهم إفريقية إلا في عهد العباسيين) بفتن خطيرة ويعقدون اللواء في كل فتنة منها لأفراد نسب إليهم: الأزارقة والأباضية، والأفضل أن تنطق إباضية، والصُفرية وكانت أخطر هذه الفتن على وحدة الدولة الإِسلامية وأهولها, لما اتسمت به من وحشية لا تهون ولا تلين، هي من غير شك تلك الفتنة التي حمل لواءها نافع بن الأزرق والتي مكنت الخوارج من السيطرة إلى حين على كرمان وفارس وغيرهما من الولايات الشرقية، وبذلك أصبحوا مصدر خطر دائم على البصرة وما حولها. ولم يتغلب على هذه الفتنة إلا المهلب بن أبي صفرة أولًا، والحجاج بن يوسف ثانيا -في عام ٧٨ أو ٧٩ هـ (٦٩٨ أو ٦٩٩ م) - بعد جهد دام سنوات طوالًا، وانتهى بهزيمة آخر قواد الأزارقة وأعظمهم شأنا وهو قطرى بن الفجاءة المقدام وموته. وثمة فتنة كانت أقل من هذه خطرًا وأضيق رقعة، وإن كانت قد بلغت في استعصائها مبلغ فتنة الأزارقة، هي تلك الفتنة التي