وجاءت الحرب الصليبية السابعة بسانت لويس إلى الشام بعد أن ردت الحملة التى شنها على مصر على أعقابها. وانهمك أربع سنوات (١٢٥٠ - ١٢٥٤ م) فى تحصين مدن الساحل. وقد كان سلاطين المماليك بيبرس، وقلاون، والملك الأشرف ابن قلاون هم الذين أنزلوا الضربة القاضية بالمملكة اللاتينية، فسقطت عكا (٣١ مايو سنة ١٢٦١) فى أيديهم بعد دفاع مجيد. وفى خلال الأشهر الستة التالية سقطت صور، وحيفا، وصيداء، وبيروت وطرطوس، أو أخيلت. وكانت آخر المدن التى سلمت هى عثليث الحصن الرائع بين حيفا وقيسارية (١٤ أغسطس سنة ١٢٩١)؛ واستصغيت بذلك مستعمرات الفرنجة فى الشام.
وقد أدخلت الحروب الصليبية إلى الشام النظام الاقطاعى الذى كان سائدًا فى أوربا فى تلك الأيام، ولم تلبث الملكية الانتخابية أن ولت وحلت محلها الملكية المتوارثة. وإنما كان الملك يحكم مملكة بيت المقدس الفلسطينية حكما مباشرا وكانت سلطة الملك محدودة بامتيازات الطبقات الثلاث: طبقة الكهنة، وطبقة الأشراف، والطبقة الوسطى، وقد لاحظ أسامة بن منقذ أنه لا يستطيع أن يبطل قرارات مجلس الأمراء، وكذلك كانت سلطة زعماء الاقطاعيين فى اماراتهم مقيدة على هذا النحو. واحتفظ بنظام رقيق الأرض كما كان شأنه من قبل فى الشام. وأطلق اسم "البولان" (Poulains) أو "البولانى" (Pullani) على المولدين من الفرنجة وأهل البلاد، ولا يزال اشتقاق هذا الاسم غامضا. وكان التجنيد للجيش لا يقتصر على الفرنجة بل يتجاوزهم إلى الأرمن والموارنة أيضا. أما الجنود الخفاف السلاح فكانوا يجندون من بين المسلمين، وأما موقف المسلمين واليهود فى هذا الجيش فيذكرنا بموقف الذميين فى البلاد الإسلامية مع فارق هو أنهم لم تكن تفرض عليهم ضرائب ثقيلة كتلك التى كانت تفرض على الذميين.