وإنما نجحوا بذلك فى إضعاف بعضهم بعضا، فاستفاد المسلمون من تفرق كلمتهم واجتمع شملهم حول زعماء مبرزين مثل زنكى، ونور الدين، وصلاح الدين واستأنف بولدوين الثالث (١١٤٤ - ١١٦٢ م) حصار دمشق (٢٣ - ٢٨ يولية سنة ١١٤٨) دون أن يحرز أى نجاح يفوق ما بلغه أسلافه وكان نور الدين قد غدا بالفعل صاحب الكلمة فى حلب، فثبت أقدامه فى دمشق. ورسم آمورى ملك بيت لمقدس منذ سنة ١١٦٢ م، خطة جريئة ترمى إلى حصار ملك الدولة الفاطمية المنهارة، فسبقه نور الدين، إذ أنفذ نائبه صلاح الدين الكردى إلى مصر؛ فلما توفى آخر خلفاء الفاطميين، أعلن صلاح الدين استقلاله بأمر مصر، وأقام فيها الدولة الأيوبية، ثم انتزع دمشق من أبناء نور الدين. وفى ٤ يولية سنة ١١٨٧ وقع جيش النصارى بأسره يقوده كى ده لوزينيان فى قبضة صلاح الدين عند حطين بين طبرية والناصرة. وفى الثانى من شهر أكتوبر التالى سلمت بيت المقدس. ولم تجد المدن الأخرى، وقد خلت من المدافعين عنها، بدًا من التسليم فيما عدا أنطاكية وطرابلس وصور.
وجاءت دعوة الحرب الصليبية الثالثة إلى المعسكر القائم أمام عكا التى كان الفرنجة يحاصرونها منذ سنتين، بفيليب أغسطس ملك فرنسا وريتشارد قلب الأسد ملك إنجلترا. وقد سلمت هذه المدينة فى ١٩ يولية سنة ١١٩١. وعقدت بين المتحاربين هدنة قضت بالتنازل عن الساحل من يافا إلى صور للصليبين ولم يستطع الصليبيون أن يستردوا بيت المقدس فجعلوا عكا قصبة مملكتهم. وقد أحدثت وفاة صلاح الدين فرقة بين ورثته الكثيرين. واستغل الإمبراطور فردريك الثانى هذا الشقاق فتفاوض مع الملك الكامل سلطان مصر الأيوبى للتنازل للصليبين عن بيت المقدس وغيرها من الأماكن التى ليست لها أهمية حربية وأحس الملك الكامل بالخطر يتهدده من ناحية أبناء أخيه صلاح الدين الذين كانوا قد عقدوا حلفا مع الفرنجة فاستنجد بالخوارزمية فسحقوا جيش الشآميين والفرنجة المجتمعين بالقرب من غزة (١٢٢٤ م)