وتوفى أبوه وهو فى الثانية والعشرين من عمره، فاضطربت حياته غاية الاضطراب، وكثر فيها الجد واللهو، كما كثر فيها الإخفاق أيضا. وكتب أهم تصانيفه فى أويقات الهدوء التى كان يغتنمها فى بلاط جرجان والرى وهمذان وإصفهان، نذكر منها بنوع خاص دائرة معارفه الفلسفية، "كتاب الشفاء"(طهران سنة ١٣٠٣ هـ) ومصنفه الهام فى الطب "القانون فى الطب" طهران سنة ١٢٧٣ هـ. بولاق سنة ١٢٩٤ هـ)، وكتب أثناء أسفاره مختصرات لكتبه الكبرى، كما كتب عدة
رسائل فى موضوعات متنوعة. واشتغل بالعلم حينا وبالسياسة حينا آخر، إلا أن نجاحه فى هذا الميدان الأخير كان ضئيلا. وترجع مكانته إلى أنه كان كاتبا موسوعيا دون العلوم للأجيال اللاحقة. وقضى فيلسوفنا أيامه الأخيرة فى كنف علاء الدولة بإصفهان، ومرض ابن سينا فى الطريق أثناء الحملة التى قام بها علاء الدولة على همذان عام ٤٢٨ هـ (١٠٣٧ م) وتوفى بهمذان، ويوجد قبره بها إلى الآن. وقد أكثر الناس من قراءة تواليفه ومن شرحها، كما نقل الكثير منها إلى اللغات الأوربية. وتراه العامة فى المشرق كساحر هاملن Hamlen الذى جذب الجرذان بمزماره.
ولا نستطيع أن نفصل القول هنا فى آراء ابن سينا التى لا يزال يرجع إليها فى الاوساط الدينية والفلسفية والطبية فى الشرق إلى اليوم رغم ما وجهه الغزالى إلى بعض أجزائها من المطاعن، ولكنا نكتفى هنا باجمالها والإشارة إلى مميزاتها.
فهو يتبع الفارابى إلى حد بعيد فى المنطق وفى نظرية المعرفة، وكذلك الحال فى مسألة "الكليات" التى تتصل بالإلهيات والمنطق معا، فالكلى يوجد مستقلا عن وجود الأشخاص المتكثرة "كصورة معقولة بالذات" فى عقل الله وعقول الملائكة (العقول الفلكية) وتفيض هذه الكليات عن عقل الله وتتصل بتوسط العقول المفارقة بالأشخاص من جهة وبالعقل الإنسانى من جهة أخرى، وهو العقل الذى ترد فيه الكثرة إلى تصور كلى. وكان ابن سينا أميل إلى اعتبار هذا التصور