صادرا عن العقل الفعال أكثر منه نتيجة لقوة التجريد الخاصة بالعقل الإنسانى، وهو فى هذه النظرة أقرب إلى الأفلاطونية الجديدة منه إلى المشائية.
ومع أن ابن سينا يسهب فى كلامه عن المنطق إلا أنه لايعده إلا مدخلا للفلسفة. أما الفلسفة الحقة فهى إما نظرية واما عملية، وتشمل الأولى الطبيعيات والرياضيات والإلهيات وفروعها، وتشمل الثانية الأخلاق وتدبير المنزل والسياسة. ولم يعن ابن سينا إلا عناية قليلة بالفلسفة العملية، وهو فى تصنيفه للعلوم الفلسفية الذى راعى فيه وضع الطبيعيات أولا ثم الرياضيات ثم الإلهيات، ينظر إلى تجرد موضوعاتها عن المادة شيئا فشيئا. ولا ريب أن الإلهيات تعرف بأنها علم الموجود المطلق، والموجود المجرد مطلوب فيها وليس موضوعا لها، ولكن هذا المطلوب يصبح موضوعها الأساسى عند التعمق فى البحث.
ومع أن طبيعيات ابن سينا تأخذ فى جملتها بالسنة الأرسطاطاليسية إلا أننا نجد فيها أيضا أثرا للأفلاطونية الجديدة. ويظهر هذا الأثر بنوع خاص هْى نظريته القائلة بأن الأحداث الأرضية تتأثر بالأجرام السماوية لا عن طريق الحرارة المنبعثة منها، وإنما عن طريق ما تشعه من الضوء. ويجب أن نعد آراءه عن العقل من الأفلاطونية الجديدة أيضا، تلك الآراء التى أدت فى غير ذلك إلى تطورات دقيقة فى علم النفس.
وقد كان أثر ابن سينا كبيرا فى الطب بنوع خاص، وظل هذا الأثر فى الغرب إلى القرن السابع عشر، أما فى الشرق فأثره باق إلى الآن. فهو جالينوس العرب. ومازلنا فى حاجة إلى البحث عن مقدار ما أضافه ابن سينا إلى هذا العلم من نتائج مشاهداته الخاصة. على أننا نرى، من الوجهة النظرية على الأقل، أنه كان يحل التجربة المحل الأكبر، ويدرس الحالات المختلفة التى يظهر فيها أثر العلاج الناجح.
ونجد فى شرح ابن سينا لإلهيات أرسطو (ولنترك رياضياته التى لا نعرف عنها إلا القليل) إلى جانب العناصر المستمدة من الأفلاطونية