بعد يافع لم يبلغ الحلم، ولكن أوصياءه أحضروا له أفضل الشيوخ والمؤدبين، وسرعان ما بز زملاءه التلاميذ. ولما بلغ العشرين من عمره نظم قصائد كانت سببا فى ذيوع صيته.
وانغمس شاعرنا فى شئون بلاده السياسية أثناء الحرب الأهلية التى أثارها المطالبون بالعرش من الأمويين، والمحاولات التى قام بها أهل قرطبة لإجلاء حكام البربر عن مدينتهم؛ ولقد أغراه بالاشتراك فى هذه الفتن نسبه ومكانة أسرته بعامة، وأطماحه خاصة؛ ولذلك نجده فى حاشية أبى الحزم بن جهور زعيم أمراء قرطبة بعد انسحاب البربر.
ولقد أدى به حبه العنيف للشاعرة ولادة التى كانت من الأميرات، إلى الاصطدام بمنافس قوى هو ابن عَبدوُس وزير أبى الحزم بن جهور مما دعا ابن زيدون إلى نظم القصائد يتحدى فيها غريمه، كما تهكم عليه فى رسالته المشهورة، حتى اتهمه ابن عبدوس بالتآمر على إرجاع الأمويين، فزج به فى السجن، وهناك أرسل الشعر الرقيق إلى ولادة وكتب إلى أصدقائه يستعطفهم فى حرارة ويدافع عن نفسه، إلى أن نجح أحدهم، وهو أبو الوليد بن أبى الحزم، فى إطلاق سراحه؛ بيد أن ولادة كانت قد هجرته آخر الأمر ومالت إلى ابن عبدوس.
وتوارى عن الناس برغمه مدة من الزمن كان أثناءها يسرف فى لوم عشيقته، ثم رجع إلى قرطبة عند وفاة أبى الحزم بن جهور، وحاول أن يصل حبله بابنه وخليفته أبى الوليد؛ وسفر له لدى الأمراء المسلمين المجاورين لقرطبة، ولكن طموحه كان سببا فى سقوطه. وغضب عليه مرة ثانية لسبب مجهول، وأرغم على الفرار إلى قرطبة، وعاش فى دانَيِة وَبَطَلْيوَس وإشبيلية على التعاقب.
وكانت شهرته فى الشعر ومواهبه الأدبية ومعرفته بأحوال المسلمين فى الأندلس التى اكتسبها فى سفارته لأبى الوليد، سببا فى حظوته عند أمير إشبيلية المعتضد، فكان كاتب سر هذا الأمير فحسب أول الأمر، ثم اْصبح بعد ذلك كبير وزرائه. ولما توفى المعتضد