عربيا للاهوت المسيحى أو المزدكى، بل هو علم نشأ داخل المجتمع الإسلامى وحافظ على أصالته.
ولعله من قبيل المجازفة أن نحاول تحديد بدايات اتخاذ المواقف، فهذه لا تكاد تعرف إلا من خلال الأعمال المتعلقه بالمِلَل والنّحلْ (خصوصا مصنفات الأشعرى والبغدادى والشهرستانى وابن حزم) والأعمال المفندة لها. وإلى جانب ذلك فليس لزاما دائما الربط بين نفس المفكرين تحت مسمى عام معين (كالقدرية مثلا)، كما ينبغى عدم تحويل ما هو "مجرد نزعات" إلى "مذاهب" بالمعنى الدقيق؛ فهذا المتكلم أو ذاك ربما يقدم باعتباره يعبر عن نزعات متباينة -بل ومتعارضة- حسب المسألة التى يعالجها، وهذا يؤدى بنا كمؤشر عام- إلى عدة نقاط مرجعية.
كان القَدرية أشد المعارضين للنظام الأموى وأشد الناقدين لأسلوب البلاط فى دمشق، وهذا الاسم يطلق عادة على أولئك الذين يسلّمون بأن الإنسان لديه القدرة على التحكم فى تصرفاته؛ وأن هذه القدرة من الضخامة إلى الحد الذى يجعل القدر ملكا للإنسان وحده، والذين رأوا فى "الأفعال" التى تصدر بمثل هذا القدر من الحرية جزءا مكملا للإيمان؛ ومن ثم فمرتكب الكبائر عامدا كافرا فى نظرهم. . . وهذه العقيدة الأخيرة التى لا يبدو أنها لاقت تعضيدا عاما، ظلت خاصية مميزة لفكر الخوارج. ومن أكثر أتباع القدرية الذين تنوقلت كتاباتهم "غيَلان" و"معبد الجهنى"، ويمكن أن نضيف إليهم مع بعض التحفظات "واصل بن عطاء" و"عمرو بن عبيد"(من رجال القرن الثانى هـ/ الثامن م) اللذين يُعدان مؤسسَى مذهب المعتزلة واللذين ارتبطت بهما "المعتزلة السياسية". وتعود تلك النزعة للظهور فى كلام الخوارج والشيعة المتأخرين، وقد أطلق فيما بعد مصطلح القدرية على المعتزلة من غير تحفظ لكنهم تنصلوا منه وقام البعض منهم بتفسير الأصل الاشتقاقى للكلمة تفسيرا مختلفا واستخدموها للتعبير عن أولئك الذين نادوا بفكرة القدر المطلق! ولهذا التفسير وجود بعد ذلك فى أعمال ابن تيمية الذى يعتبر خصم المعتزلة.