وبهذا المعنى الثانى تصبح القدرية مرادفة لما هو عكسها أى "الجبرية" أو "المجْبرة" وهم المنادون بـ "الجَبْر" أى "الإلزام القسرى الإلهى" الذى تنجم عنه أفعال المرء خيرا كانت أو شرا، ومن ثم فلا شئ منها يعزى إلى الإنسان الذى تصدر عنه، لقد اعتبر المعتزلة فى عداد الجبرية أولئك الذين رفضوا مبدأ "القدر" بما فيهم الأشاعرة، أما الاشاعرة فقد أطلقوا مصطلح "الجبرية" -ربما بشئ من التسرع- على مريدى "جَهْم".
أما "المُرْجئة" فقد خالفوا الخوارج فى مسائل الإيمان والثواب والعقاب فارتكاب الكبيرة مثلا لا يترتب عليه الخروج من حظيرة الإيمان؛ فوفقا للنص القرآنى يصبح مصير المذنب قيد "الإرجاء" انتظارًا لقضاء اللَّه. وعادة يشار إلى "غيلان" و"غَسّان" -اللذين تبدو لهما صلات بالحنفية- باعتبارهما من المرجئة، كما نوه الشهرستانى مثلا.
وقد قلص المتأخرون ممن كتبوا عن الملِل والنّحل تلك النزعات المتباينة إلى مجرد نصوص مختصرة، ومن المحتمل أنهم غالوا فى تبسيطها وربما عملوا على تحريفها. ومع ذلك ففى إطار المحاولات الأولى لدعم المواقف السياسية الدينية بالحجج المنطقية، تحددت الخطوط العامة لما تلا ذلك من مناقشات؛ فالقدرية سواء أحالفهم التوفيق أم جانبهم قد استبقوا بعض الأطروحات الرئيسية للمعتزلة، أما الأشاعرة فكان من شأنهم البحث عن "وسيلة مناسبة" للتوفيق بين "الجَبر" الذى نادى به الجَبرية و"مسئولية الإنسان" أى "الاختيار"، بينما المرجئة فى معالجتهم لمسألة الثواب والعقاب فى العالم الآخر قد استبقوا إلى حد ما تفسيرات الأحناف الماتريديين والكثيرين من الأشاعرة. والمناقشة الوافية لهذه المسألة سوف تحتاج إلى دراسة تفصيلية (وإن كانت أمرا من قبيل المجازفة نظرا لنقص المراجع الموثقة) عن غيلان، الذى يُدرج أحيانا ضمن القدرية باعتباره قد أكد على حرية الإنسان فى الاختيار، كما يصنف فى أحيان أخرى ضمن المرُجئة بناء على نظريته عن مصير المؤمن مرتكب الذنوب.
لذلك فإننا نعالج نزعات لا "مذاهب فقهية" راسخة، ونعالج آراء متشابكة