مختلفتان. وكانت أولى الصعاب التي اضطرت السياسة البريطانية لمواجهتها هي التي يسميها لورد كرومر "الارتباكات الدولية" وهو يقصد بهذا الاسم تدخل الدول الأجنبية الأخرى وبخاصة فرنسا في شئون مصر الإدارية معتمدة على ما كان بينها وبين هذه البلاد من اتفاقات سابقة لعهد الاحتلال. ولم تطلق يد إنكلترة في مصر أو تكاد إلا في سنة ١٩٠٤ حين عقد الاتفاق الودى بين إنكلترة وفرنسا. وكان الرجل الذي تم على يديه تثبيت مركز الإنكليز في وادي النيل هو لورد كرومر قنصل بريطانيا العام في مصر من ١٨٨٣ إلى ١٩٠٧ , وهو الذي أصبح رغم منصبه الرسمى المتواضع نسبيا أقوى رجل في البلاد. وكانت السياسة التي سار عليها هي أن "يحكم حكامَ مصر" وكان أكبر معاونيه هم المستشارين الإنكليز في النظارات المختلفة. وما من شك في أن مصر قد أفادت كثيرا من اتفاق مصالحها ومصالح إنكلترة إلى مدى بعيد في تلك السنين. من ذلك أن إنكلترة أفلحت بالقرض الذي عقدته بضمانة الدول الكبرى وبما اتخذته في مصر نفسها من إجراءات حاسمة في أن تضع مالية البلاد على أساس صالح متين حتى أمكنها في عام ١٩٠٤ أن تحد كثيرًا من اختصاصات "صندوق الدين" وتعيد إلى مصر حريتها في الأمور المالية. نعم إن الدين العام لم يكن في سنة ١٩١٤ أقل كثيرًا منه في عام ١٨٨٢, ولكن رخاء البلاد الاقتصادى زاد كثيرًا عن ذي قبل. (انظر القسم رقم ٣ من هذا المقال) أما تركيا فقد أخذ نفوذها في الشئون المصرية يضعف على مر الأيام. ولم يكن لتعيين الغازى مختار باشا مندوبا ساميا تركيا في مصر أثر سياسى على الإطلاق، وإن كانت الدعاية غير الرسمية التي قام بها الباشا لحركة الجامعة الإسلامية ظلت في أثناء وجوده قوية. ولما حاول السلطان في عام ١٨٩٢، وفي عام ١٩٠٦ أن يؤيد حقوقه في جزيرة سيناء أخفق في ذلك إخفاقا كاملا. ولما شبت الحرب بين إيطاليا وتركيا لم تسمح إنكلترة لمصر أن ترسل جنودًا منها إلى طرابلس، أما تركيا نفسها فلم