وثمة نتيجة أشد خطرًا من هذه، وهي الحركة التي سرت في الجيش ضد الضباط الأتراك الجراكسة وتطورت إلى ثورة علنية انتهت باحتلال الإنكليز للبلاد.
ويبدأ العهد الرابع من تاريخ مصر الحديث بهذه الحركة الحربية المعروفة بالثورة العرابية. وذلك أن الخديو الجديد توفيق باشا قد حاول هو ووزراؤه في السنتين السابقتين لهذه الثورة أن يسيروا في حكم البلاد على نهج وطنى متفاوت الدرجات. فلما أن تقدم عرابى بمطالبه، وأصر على إصلاح الجيش، ودعوة البرلمان إلى الاجتماع، وسن نظام دستورى لحكم البلاد، أخذ الخديو ووزراؤه يتطلعون إلى التدخل الأجنبى، ويعدونه الوسيلة الوحيدة للنجاة من هذا المأزق. وكان عدم وجود سلطة قوية بحق قادرة على تسيير دفة الأمور (لأن العرابيين كانوا ضعافًا من هذه الناحية لقلة خبرتهم وعدم كفايتهم) مما مكن إنكلترة من التدخل في شئون مصر. وكان أهم الأسباب التي بعثت فيها الرغبة في أن توطد أقدامها في القطر المصرى، موقع هذا القطر الجغرافي في طريقها إلى الهند. وقويت هذه الرغبة لديها بعد استيلاء فرنسا على بلاد الجزائر وتونس وبعد شق قناة السويس، وذلك أنه كان من صالح إنجلترا أن تبقى هذه القناة بعيدة عن نفوذ أية دولة أجنبية قوية، وأعانها على الوصول إلى غرضها تطور الأمور في مصر نفسها، إذ أتاح لها الحجة التي تذرعت بها لتدخلها المسلح بعد أن أحجمت فرنسا في آخر لحظة عن تحمل تبعة هذا التدخل، لأن مصالحها لم تتأثر بالحركة الوطنية تأثر المصالح الإنكليزية. ويدل تاريخ مصر بعد عام ١٨٨٢ على الخطة التي اختطتها إنكلترة لتحمل هذه التبعة.
وبقى مركز مصر الدولى من الوجهة النظرية بعد الاحتلال البريطانى كما كان قبله لم يطرأ عليه تغيير. أما من الوجهة العملية فقد أصبحت من ذلك الوقت خاضعة لسلطان دولتين، ولوصاية مالية، ولسلطة قضائية ثلاثية، ولاحتلال عسكرى أجنبى، كما أصبحت مسرحًا تصطدم فيه مدنيتان