عشر قد أصبحت أحسن مما كانت عليه من قبل وبخاصة بعد أن ألغيت الإحتكارات الحكومية. ولكن الفلاحين لم يستفيدوا إلا قليلا من هذه الظروف الإقتصادية الملائمة. وبخاصة بعد عام ١٨٧٦ , وهي السنة التي بدأ فيها فرض الضرائب الباهظة القاتلة التي لم تجد الحكومة مندوحة عنها لأداء ما عليها من الالتزامات؛ فحل بالفلاحين من ذلك الوقت عهد من البؤس لم ينقض إلا حوالي عام ١٨٩٠. وكانت هذه الظروف السيئة سببًا من أسباب الحركة الوطنية الأولى. وقد قامت هذه الحركة في أول الأمر بين الطبقة الوسطى من أهل البلاد الأصليين، وهي الطبقة التي نشأت في عهد محمد على وتأثرت بالنفوذ الأوربى والشرقى معا (جمال الدين الأفغانى) فأصبحت عاملا خطيرًا من عوامل الحياة الإجتماعية في مصر وإن ظلت الدوائر الدينية المستمسكة بعقائدها بمنأى عنها في أول نشأتها، لأن ما كان يعتنقه القائمون بها من أفكار جديدة وما كان لهم من صلة بالماسونية لم يكن مما يرتضيه رجال الدين. وأخذ الوطنيون ينقدون سياسة إسماعيل المالية وتحيزه الظاهر إلى العناصر الأوربية في البلاد، ومحاباته لطبقة الأتراك الجراكسة وتفضيلها على أهل البلاد. وكانت المعاملة التي يلقاها المصريون في الجيش بنوع خاص قد أثارت غضبهم (فقد كان الجنود الذين أرسلوا إلى السودان والحبشة سنة ١٨٧٥ كلهم من أبناء الفلاحين) وبدأ الرأى العام يظهر بجلاء في عام ١٨٧٧. ففي هذا العام أصدر الوطنيون صحفًا مصرية (منها جريدة مصر والوطن) وارتفعت لأول مرة صيحة مصر للمصريين. ولم يفد ما اتخذ وقتئذ من إجراءات شديدة لمنع الجرائد الوطنية من أن توجه قوارص النقد إلى أعمال الحكومة، وبخاصة إلى اشتراك الجنود المصريين في الحرب التركية الروسية. وكانت أولى النتائج الموضحة لأعمال الوطنيين المصريين هي الانقلاب السياسى المفاجيء الذي وقع في أبريل سنة ١٨٧٩ وأدى إلى سقوط وزارة نوبار باشا المشتملة على وزيرين أوربيين (ولعل الوطنيين أنفسهم قد ساعدوا على خلع إسماعيل، انظر كتاب محمد صبرى La Genese etc ص ١٦٠)