ص ٢٨ بداية هذا التطور المشئوم أحسن إيضاح). بيد أن أهم الصعاب التي تمخضت عنها هذه السياسة قد نشأت من القروض المختلفة التي عقدها في أوربا سعيد وإسماعيل (في أعوام ١٨٦٢ , ١٨٦٤ , ١٨٦٦ , ١٨٦٨ , ١٨٧٢) وزادت هذه القروض زيادة أطاحت بإسماعيل عن عرشه. وكانت الكثرة الغالبة من حملة أسهم الدين المصرى من الفرنسيين وقلتهم من البريطانيين. ومن أجل هذا تولت إنكلترة وفرنسا، اللتان كانتا من قديم شديدتى التنافس على النفوذ في مصر، زعامة التدخل الأجنبى في تلك البلاد. واشترك ممثلو هذين البلدين في "المراقبة الثنائية" التي فرضت على إيرادات مصر ومصروفاتها من عام ١٨٧٦ , ولم ترفع عنها إلا في الفترة التي كان فيها في الوزارة المصرية وزيران أحدهما إنكليزى والآخر فرنسى (وهي الفترة الواقعة بين ٢٨ أغسطس سنة ١٨٧٨، و ٥ أبريل سنة ١٨٧٩) وما من شك في أن مصالح فرنسا المالية كانت ترجح مصالح إنكلترة، ولكن إنكلترة نفسها كانت قد أصبحت في ذلك الوقت أعظم من فرنسا نفوذا بفضل تجارتها الواسعة ومركزها السياسى الممتاز. وزاد مركزها هذا قوة على قوته احتلالُها جزيرتى بريم في عام ١٨٥٧ وقبرص في عام ١٨٧٨. ومع هذا كله فقد ظلت علاقة مصر الرسمية مع البلاد الأخرى من ذلك العهد إلى عهد الاحتلال البريطاني علاقة الدولة المستقلة أو القريبة منها، ولا تقيد هذا الاستقلال إلا الإمتيازات الأجنبية والمحاكم المختلطة بعد إنشائها في عام ١٨٧٦ (انظر القسم الثاني من المقال). وكان في وسع الخديو من عام ١٨٧٣ أن يعقد المعاهدات مع الدول الأجنبية (ماعدا المعاهدات السياسية المحضة) ولما احتفل إسماعيل بافتتاح قناة السويس كان ملوك أوربا الذين جاءوا ليشهدوا هذا الاحتفال يعاملونه معاملة الند للند. بيد أن نفوذ قناصل فرنسا وإنكلترة في مصر أخذ يزداد زيادة مطردة تبعا لزيادة الموظفين الأوربيين في الإدارة المصرية.
وكانت أحوال مصر عند بداية القسم الثالث من تاريخها في القرن التاسع