الجزية السنوية التي يؤدونها لهم؛ وكلما حاولت الحكومة العثمانية أن تفرض سلطانها الفعلى على الشئون المصرية تبين لها أنها كانت مخدوعة في اعتقادها بوجود سلطان لها على الإطلاق (كما حدث في عهد عباس) حتى لقد كان من السهل على إسماعيل أن يتجاهل أمر السلطان بأن لا تعقد مصر القروض إلا برضاه. يضاف إلى هذا أن الجيش المصرى لم يكن قسمًا من الجيش العثماني إلا من الوجهة النظرية (وإن كانت الجنود المصرية قد اشتركت مع الجنود الترك في حرب الروسيا) وكانت ظروف خاصة هي التي أتاحت للسلطان الفرصة لأن يخلع إسماعيل في عام ١٨٧٩. وكان الولاة في مصر نفسها ذوى سلطان مطلق على النمط الشرقى المألوف، وكانوا كلهم يشجعون دخول الفنون والعلوم والنظم الأوربية في بلاد مصر ما عدا عباس الأول، فقد أظهر هذا الوالى عداءه للحضارة الأوربية بوجه عام، وللحضارة الفرنسية بوجه خاص. وكان من أثر هذا الاتجاه العام أن اصطبغت مصر في زمن قصير بالصبغة الأوربية أكثر من أي بلد إسلامي آخر. وكلنا يعلم حق العلم أن هذه الأعمال لم تزد في رخاء البلاد، بل أوقعتها في مهواة الخراب المالى. ولم يكن منشأ هذا الخراب ما أثر عن إسماعيل من تبذير بالغ الناس كثيرًا في وصفه، بل في الطريقة التي أخرجت بها إصلاحاته إلى حيز الوجود. فقد قامت هذه الطريقة على الأساليب الإدارية الشرقية التي يسودها الإهمال وعدم العناية، وضاعف من عواقبها الوخيمة ما كان يظهره الأوربيون من استعداد لتقديم المال اللازم لهذه الإصلاحات. يضاف إلى هذا أن كثيرين من السماسرة الأوربيين لم يكونوا أكثر من رجال أفاقين مغامرين لا ذمة لهم ولا ضمير، همهم الوحيد أن يحصلوا على تعويض عما يزعمونه من نقض الحكومة المصرية لما أبرمته معهم من عقود. فأدت هذه الصعاب وأمثالها إلى بقاء كثير من الأعمال العامة ناقصًا. وكانت النتيجة الأولى لهذه السياسة أن تورطت البلاد في دين سائر مطرد الزيادة (وقد أوضح فون كريمر Von Kremer في الجزء الثاني من كتابه